عقد مجلس الامن الدولي اجتماعا صباح الثلثاء الماضي لمناقشة مشروع تقدمت به فرنسا يدعو الى محاسبة الرئيس السوري بشار الاسد وتقديمه الى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم ضد الانسانية في حق السوريين. اذ جرى في خلال الاجتماع استعراض 55 الف صورة توثق تعرّض 11 الف معتقل سوري للتعذيب في السجون السورية في ما سمي تقرير " قيصر". وهذا التقرير يتحدث عن اساليب التعذيب التي يتبعها النظام، وفق اسلوب نمطي يشكل، وفق المحققين، اثباتا دامغا لا يقبل الشك حول حصول جرائم ضد الانسانية. ونقل في تغطية الخبر ان اعضاء مجلس الامن التزموا الصمت كلياً، في اشارة الى ان الصور التي عرضت كانت شديدة التأثير. علما ان ​روسيا​ لم تحضر عبر مندوبها الدائم فيما تولى الديبلوماسي في البعثة الروسية استجواب لجنة التحقيق حول صدقية الصور ودقتها. وليس مقدرا بالنسبة الى جميع المهتمين بالشأن السوري ان ينتهي اجتماع مجلس الامن راهنا او لاحقا الى احالة النظام وجماعته امام المحكمة الجنائية الدولية في ضوء اعتبارين على الاقل، احدهما هو الفيتو الروسي المحتمل باعتبار ان روسيا تستمر في حماية النظام وسبق ان استخدمت الفيتو ثلاث مرات في هذا الاطار. وما لم يحصل توافق في مجلس الامن حول هذا الامر، فمن المتعذر ان تحال الجرائم المذكورة الى المحكمة الجنائية الدولية، علما انه اشير ايضا الى الجرائم المرتكبة من تنظيمات في المعارضة ايضا والتي تصنف كذلك تحت عنوان الجرائم ضد الانسانية وان لم تصل الى مستوى العنف الذي لدى النظام، في سعي الى ارضاء روسيا واقناعها بالتجاوب مع هذا المسعى. والاعتبار الآخر هو لاعضوية سوريا في الجنائية الدولية وعدم توقيعها على معاهدة روما بحيث تشمل مسؤوليها احالة محتملة امام هذه المحكمة.

ويبدو لسياسيين موالين للنظام في بيروت ان هذا الاجتماع متعمد من الجانب الفرنسي المدعوم بريطانيا واميركيا قبيل الانتخابات الرئاسية السورية التي ستحمل الاسد مجددا الى السلطة في محاولة للضغط على روسيا وداعمي النظام من اجل الحصول على تنازلات تحول دون حصول هذه الانتخابات، شأنها في ذلك شأن التوقيت الذي كشف فيه عن هذا التقرير المصور للمرة الاولى قبيل انعقاد مؤتمر جنيف 2 في مطلع السنة الحالية ونتيجة العجز الدولي عن وقف آلية استمرار الاسد في السلطة. اذ يعتبر هؤلاء ان الغاية من الكشف عن التقرير وتوقيته كانت حشر النظام وداعميه الدوليين في الزاوية من اجل الحصول على تنازلات في المفاوضات المحتملة وهذا لم يحصل ابان المؤتمر ولن يحصل على الارجح قبيل الانتخابات المفترضة، خصوصا مع تصاعد التوتر الذي تزايد اخيرا في العلاقات بين روسيا والدول الغربية على خلفية الازمة الاوكرانية. في حين تبدو مصادر سياسية وديبلوماسية غير واثقة من ارادة الولايات المتحدة دفع الامور الى درجة وصولها الى الجنائية الدولية، أقله في الوقت الراهن. اذ ان التقرير والوثائق التي يتضمنها يشكّلان سلاحا مهما في يد الدول الغربية والمجتمع الدولي ضد النظام، خصوصا في حال رغبت في استخدامه نظرا الى ان هذه الوثائق وحدها كفيلة في ظل الحملات الاعلامية والسياسية المناسبة ان تحشد رأيا عاما دوليا مؤيدا لاي عمل ضد النظام ومناهضا للدعم الروسي والايراني له ومحرجا لهما او لاي جهة داعمة اخرى له، في حين ان هذا الامر لم يحصل قبل شهرين ولا يعتقد انه سيحصل قريبا. اذ ثمة اقتناع يترسخ اكثر فاكثر ان مصلحة الولايات المتحدة تكمن راهنا في بقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه وهي لا تريد التورط في تطيير النظام فيما لم يتوافر بديل مقنع منه، وتعزز هذا الاقتناع معلومات ينقلها زوار للعاصمة الاميركية.

لكن الوثائق في التقرير المذكور قابلة للاستخدام سياسيا واعلامياً، ان لم يكن لاحالتها على المحكمة الجنائية في المدى المنظور فمن اجل الضغط على روسيا مثلا من اجل انعقاد جنيف 3 وحضّ النظام على التجاوب مع اقامة مرحلة انتقالية لتخفيف الحصارات من اجل تقديم المساعدات الانسانية للمناطق التي تتعرض للحصار والتضييق والتجويع علما ان روسيا لا تتأثر، وفق ما يرى هؤلاء، بحقوق الانسان وما يحصل على المستوى الانساني في سوريا. لكن هذه الممارسات تشكل وصمة عار بالنسبة الى الولايات المتحدة واوروبا صاحبة القيم الديموقراطية والمدافعة عن العالم الحر وحقوق الانسان. في حين تقول مصادر سياسية ان الامر قد يكون قابلا للاستخدام خارج منظمة الامم المتحدة اكثر منه داخلها نظرا الى الفيتو الروسي. اذ ان هناك دولا تتيح رفع دعاوى ضد جرائم الحرب او الجرائم ضد الانسانية امام محاكمها التي لها صلاحية الحكم فيها وهو ما يمكن ان يؤدي الغرض لجهة النتائج المتوخاة لجهة الملاحقة الدولية والتشهير ان لم يكن السجن فحسب. فيما لا يلغي الاجتماع في مجلس الامن وسواه من المواقف التي يمكن ان يستدرجها بناء على استمرار النمط نفسه في سوريا من الاعتقال والقتل في ظل الحرب القائمة، مفعولا تراكميا في الحد الادنى بما يجعل من الصعب على الرئيس السوري ان يبقى في الحكم في ظل سجل حافل على هذا الصعيد، اقله وفق ما تعتقد هذه المصادر.