إن منع الولايات للمتحدة الأميركية التأشيرة عن السفير الإيراني المعيَّن حديثاً لدى الأمم المتحدة؛ حميد أبو طالبي، يطرح علامات استفهام عدة في الشأنين القانوني والسياسي، في ظل رغبة واضحة وأكيدة لدى الغربيين والأميركيين في تسوية النزاع مع إيران حول ملفها النووي.

قانونياً، العلاقات بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية بخصوص البعثات الدبلوماسية تحكمها الاتفاقية الموقَّعة بين الطرفين في 26 حزيران 1947، والتي دخلت حيّز التنفيذ في تشرين الأول من السنة نفسها.

المادة 4 من الاتفاقية، خصوصاً الأقسام (11-13)، تفيد بشكل قاطع أن السلطات الفيدرالية للولايات المتحدة لن تفرض أي عوائق أمام البعثات الدبلوماسية المتوجهة للأمم المتحدة (القسم 11)، بغض النظر عن العلاقة بين الدولة التي ترسل مبعوثيها وبين الولايات المتحدة (القسم 12)، أما القسم 13 فيتحدث صراحة عن أن الولايات المتحدة لن تمتنع بأي شكل من الأشكال عن إعطاء التأشيرات لأعضاء البعثات الدبلوماسية، أو تطلب من أحدهم مغادرة أراضي الولايات المتحدة، ما دام يتمتع بالحصانة الدبلوماسية التي تحكمها الاتفاقيات الدبلوماسية بين الدول.

وقبل الإقرار النهائي لتلك الاتفاقية أصدر الكونغرس الأميركي قراراً يجيز للرئيس الأميركي هنري ترومان بتوقيعها، لكنه أقرّ - في ذلك القرار - تحفظاً على تلك الاتفاقية، يُدعى "التحفظ الأمني" (القسم 6 من القانون 80-357)، يفيد بأنه "ليس في تلك الاتفاقية ما يمكن تفسيره بأنه يقلل بأي شكل من الأشكال، أو يحدّ، أو يضعف من حق الولايات المتحدة في حماية أمنها - وبشكل كامل- للسيطرة على دخول الأجانب إلى أراضي الولايات المتحدة، باستثناء منطقة المقرّ (الأمم المتحدة) والجوار المباشر له".

من هنا، وانطلاقاً من الاتفاقية والقراءة المتأنية "للتحفظ الأمني"، لا تملك الولايات المتحدة الحق القانوني أو المسوّغ الشرعي لمنع تأشيرة الدخول عن المبعوث الإيراني للأمم المتحدة، بل كل ما يحق لها هو أن تمنعه من التجوّل خارج منطقة مقر الأمم المتحدة والجوار المباشر لها.

لكن بما أن القانون الدولي لا يعتمد فقط على المعاهدات، بل يمكن الاستناد إلى القانون الدولي العرفي والسوابق وممارسات الدول في هذا الإطار، فقد حاولت الولايات المتحدة مراراً أن توسّع إطار "التحفظ الأمني"، ونذكر على سبيل المثال قضية الامتناع عن منح الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات التأشيرة للدخول عام 1988، فكان موقف الأمم المتحدة واضحاً في هذا المجال، ومن خلال قراءة قانونية وافية أفادت بأن الامتناع الأميركي مخالف للاتفاقيات الموقَّعة بين الطرفين، وأن الأميركيين لا يستطيعون منع منح التأشيرة، ولكنهم فقط يستطيعون منع الشخص المعني من التجوال خارج إطار المساحة المحددة لمقرات الأمم المتحدة، وقد أضاف الرأي القانوني للأمم المتحدة، "خصوصاً أنه لم يثبت أن الشخص المعني كان يهدف من خلال الزيارة للإخلال بأي شكل من الأشكال بأمن الولايات المتحدة، أو المشاركة في أعمال تمسّ أمنها".

من هنا، وتطبيقاً على قضية الدبلوماسي الإيراني "أبو طالبي"، كل ما يحق للإدارة الأميركية قانونياً، وبحسب السوابق، هو أن تفرض عليه حظر التجوال خارج الإطار الجغرافي المعترف به كمقرات للأمم المتحدة، خصوصاً أنه لم يثبت أنه يودّ أن يشارك في أعمال تقوّض أمن الولايات المتحدة، ولو كان قد شارك قبل 35 عاماً في احتلال السفارة الأميركية كطالب يافع، كما أن التاريخ الدبلوماسي الإيراني لم يثبت أنه قام بأي عمل مخلّ بالأمن في الولايات المتحدة، رغم كل القطيعة الدبلوماسية بين الاثنين.

هذا في الشق القانوني، أما في الشق السياسي، فيبدو أن الراديكاليين في البلدين يحاولون تقويض الجهود الدبلوماسية لحلّ الملف النووي الإيراني بالطرق السلمية، إذ كان يمكن أن تتمّ تسوية القضية بالقنوات الدبلوماسية السرّية قبل خروجها إلى العلن المحرج للجميع، فلو أبلغت الإدارة رفضها للإيرانيين بطريقة سرّية، لكان من الممكن أن تجد إيران مخرجاً بتعيين سفير لها لدى الأمم المتحدة من الطاقم الدبلوماسي الإيراني الذي لا يثير تحفظاً لدى الولايات المتحدة، علماً أنه لا يناسب الدبلوماسية الإيرانية قبول مشروط من قبل الإدارة الأميركية بمنح تأشيرة للسفير الإيراني، ومنعه من التجوال خارج مقرات الأمم المتحدة، لأن ذلك يجعله شبيهاً بدبلوماسيي كوريا الشمالية وسوريا، وهو لا يتلاءم مع التقارب الأميركي - الإيراني الذي تطوّر بعد توقيع الاتفاق المبدئي حول البرنامج النووي الإيراني.

إذًا، يبدو من خلال هذه الأزمة وطريقة معالجتها بالطرق الإعلامية التصعيدية، أن عامل الثقة ما زال مفقوداً بين الطرفين، وأن إرثاً من التصعيد والتشنّج دام عقوداً عدة يحتاج إلى المزيد من الجهود الدبلوماسية الوقائية لتبديده، خصوصاً أن الراديكاليين من الجهتين يتربصون شراً بالاتفاق، ويتمنون فشله.