رنّ هاتف بكركي: الأستاذ على الخط. ردّ سّيد الصرح فكان الخبر اليقين الذي تسرّب اليه قبل دقائق: 23 نيسان تنطلق جلسات انتخاب الرئيس. اغتبط الراعي في سرّه وعلنه وهو الشاعر بسخونة الموقف وسخرية عقارب الساعة من الموارنة أولاً والجميع ثانياً.

البطريرك الماروني مستعجل. يخشى أن “يُسلَق” الاستحقاق أو يطيَّر بذريعة “ضيق الوقت”. رئيس المجلس لم يخذله، فكما فهم الرئيس سليمان أن حظوظ بقائه معدومة في سجلات بكركي، فهم برّي كلّ الرسائل المباشرة وغير المباشرة: الصرح يريد جلسةً لانتخاب الرئيس في أقرب موعد.

عراقيل...

لم ينتظر برّي حتى الخامس عشر من أيار المقبل ليتحوّل مجلس النواب هيئة ناخبة تلقائيًا، فدعوته الى جلسةٍ غداة عيد الفصح رغم علمه بأن النصاب قد لا يتوفّر خير دليل. هي “جلسةٌ إرضائيّة” لبكركي على ما يوصّفها بعضهم، فبرّي لا يمكنه أن يكسر كلمة الراعي ولا أن يلعبها “نكائيّة” معه. جلّ ما أراده من تأخير الموعد الى 23 أيار أي بعد قرابة شهر من دخول المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية أولاً أن يمرّر القوانين المُحالة من اللجان بعيداً من “وجعة رأس الرئاسة”، وثانياً أن يضمن تأمين النصاب أي بمعنى آخر أن يضمن الحكاية المكررة تحت عنوان: “الرئيس التوافقي”. حتى الساعة أيٌّ من العبئيْن لم يتزحزح عن كاهل برّي، فلا التشريع انتهى مع تعليق “السلسلة” ولا النصاب بُحِث فيه حتى وسط فوضى المرشّحين وسقوط سياسة “الاسم الموّحد” لدى الكتل، ومع ذلك اضطر برّي الى دعوة المجلس “استجابةً لنداءات الراعي المتكررة واحترامًا للموقع الذي يمثّله الصرح ودوره في هذا الاستحقاق ورأيه الجوهري في الموقع الماروني الأول” على ما تؤكد أوساط مواكبة لـ”​صدى البلد​”.

“إنه التهرّب”...

بارتياح كبير تلقّى الراعي اتصال برّي على ما تؤكد مصادر كنسيّة لـ”صدى البلد”، مشيرةً الى أن “ما أقدم عليه رئيس البرلمان إنما هو مطلبٌ أساسيّ لسيّدنا البطريرك ويصبّ في خانة حرصه على إجراء الانتخابات في موعدها، وبالتالي نأمل أن يكون هناك رئيسٌ في موعده، سواء من الدورة الأولى أو الثانية، المهم أن برّي وضع الاستحقاق تشريعياً على السكّة الصحيحة”. وعن المخاوف المحيطة بفرضيّة عدم توفر النصاب قال المصدر: “طلب سيّدنا من النواب أكثر من مرّة أن يحكّموا ضمائرهم ويذهبوا الى المجلس لتأمين النصاب إذ من واجب كلّ نائب، كممثل عن الأمّة، أن يوفّر النصاب لانتخاب رئيس للبلاد وهذا أقل واجباته لأن عدم تأمين النصاب هو تهرّب”.

الأمور معقّدة

لم يُثلج الموعد المُنتظَر قلوب الكتل بقدر ما حمّلها مزيداً من الضغط النفسي كانت تعلم بأنه سيستوطن كواليسها عاجلاً أم آجلاً. فعدا هواجس النصاب، تزيد ضبابيّة الأسماء المشهديّة تعقيداً. فماذا ستقول قوى 14 آذار مثلاً عن مرشّحها الرسمي سمير جعجع ومشاريع مرشّحيها الثلاثة: أمين الجميل، بطرس حرب وروبير غانم؟ وهل يكون التهرّب من الجلسة منفذها الوحيد الى أن تحسم اسم مرشّحها؟ الأمر مستبعدٌ في القريب العاجل خارج أطر التسوية المُنتظرة خصوصًا أن الإحراج كبير أمام أربعة مرشّحين وإن كان بدأ التسويق لجعجع مرشحاً أوحد من باب الضغط. وليست المشهدية أكثر “لحلحةً” في كواليس 8 آذار التي لا تزال حلقةٌ مفقودة بين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية ووجهة نظر برّي تحول دون طرح أيّ اسمٍ بقوّة ليكون مرشّحها الأوحد في 23 الجاري.

ثلاثة سيناريوهات

إذاً الجميع أمام تحدّي الجلسة. فبرّي أدى قسطه للعلى أمام بكركي والضمير والكتل، وبقي على 86 نائباً أن يحضروا إما باسمٍ موحّد لكلّ كتلة وهو أمرٌ مستبعد؛ إما بمرشّح وحيد تثمره الاتصالات المكثّفة لا سيّما على خطيّ الرابية-قريطم كما حصل عشيّة تشكيل حكومة المصلحة الوطنية، وهو أمرٌ مستبعدٌ أيضًا لضيق الوقت لا لانسداد القنوات خصوصًا أن البلاد دخلت فترة الأعياد؛ وإما بخفّيْ حنين وهو ما لن تفعله أيُّ كتلةٍ. الى حينها، تبقى هوية الرئيس المقبل ضائعة في مناوراتٍ لتمييع الاستحقاق وكسب الوقت تحت قبّة السلطة التشريعيّة وعلى مرأى من الصرح الماروني الذي لا ينتظر هو الآخر ولادة الرئيس من الدورة الأولى إلاّ... بأعجوبةٍ فصحيّة.