راوحت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس جديد للبلاد في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، بين حدي دعوة جس نبض الكتل النيابية واعادة الحرارة إلى الاستحقاق وتسليط الضوء على مخاطر المرحلة، ودعوة إنتخاب رئيس جديد للبلاد يعيد خلط الأوراق وينهي عمر الحكومة، غير أن زوار قصر بعبدا ينقلون عن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أجواء توحي بأن الإنتخابات الرئاسية حاصلة لا محالة في موعدها، نظراً لإصرار الغرب عموماً وواشنطن وباريس والفاتيكان خصوصاً على عدم اضاعة الفرصة وعدم تمييع الإستحقاق، باعتباره تحولاً جوهرياً في المسار اللبناني الذي يحظى بمظلة دولية واقية منعت حتى الآن انتقال النار السورية اليه.

وعلى الرغم من ذلك، تناقض الدبلوماسية الشرقية هذه الاعتبارات وتقلل من أهمية الضغوط الأميركية والأوروبية لعدة أسباب، أولها التحولات الكبرى على صعيد آحادية القرار الدولي بعد عودة موسكو إلى الساحة الإقليمية من بوابة الأزمتين السورية والأوكرانية، وبالتالي مشاركتها الغرب في القرار على المستويات كافة بما فيها تقرير مصير الاستحقاقات الداهمة الممتدة على طول العالمين العربي والاسلامي، وليس انتهاء بالمشهد الجديد المترسخ بعد التحولات الطارئة على دول منظمة التعاون الخليجي، مروراً بما وصفه دبلوماسي شرقي بدواعي وضرورات التوافقات المانعة لتحول الحروب الباردة إلى مواجهات ساخنة غير محسوبة النتائج، بيد أنه أي الدبلوماسي يرفض التسليم بفكرة المقايضة الدولية بين موسكو وواشنطن على مستوى الأزمتين الاقليمية والاوكرانية، معتبراً أن المقايضة في حال حصولها ستكون مقابل الضغط الروسي على طهران لعدم عرقلة الإنسحاب الأميركي من أفغانستان وعدم تحويله إلى كابوس يلاحق القوات الأميركية كما كان الحال ابان انسحابها من العراق.

وهذا لا يمنع من القول إن دعوة بري تصب في خانة جس النبض، التي تأتي في ظروف داخلية واقليمية مؤاتية، في ظل واقعين مساعدين لتمرير الاستحقاق لمصلحة المحور المعروف بمحور الممانعة، أولهما الشرذمة الحاصلة على مستوى التحالف الآذاري وتوزيع الولاءات بين ترشيحات متعارضة يخوضها قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس حزب "الكتائب" أمين الجميل، الذي بدأ اتصالات اقليمية ودولية ناشطة تأييداً لترشحه، بالإضافة إلى النائب روبير غانم ووزير الإتصالات بطرس حرب، وذلك في ظل عدم اتخاذ تيار "المستقبل" قراره النهائي بشأن الترشيحات مع الاشارة إلى أن التيار فتح أكثر من قناة اتصال مع الضاحية الجنوبية ويعمل على تعزيزها منذ سقوط القلمون، وثانيها الوضع المريح لفريق الثامن من آذار بعد انتصار "حزب الله" في القلمون السورية، وتحوله إلى رقم اقليمي ودولي صعب لا يمكن تجاوزه في أي من الاستحقاقات الكبرى، ومن ضمنها الاستحقاق الرئاسي وما سيليه خلط أوراق على صعيد التحالفات بين الكتل، وهي تبلورت إلى حد ما في اعقاب الجلسة النيابية الأخيرة، حيث تم وأد سلسلة الرتب والرواتب على يد كتلتي "المستقبل" و"الاصلاح والتغيير" في مشهد يؤسس إلى مفاجآت غير متوقعة في حسابات الرأي العام ومرشحين آذاريين.

إلا أن مصادر محلية مواكبة تأخذ بالاعتبار الضغط العربي على الاستحقاق، وترى أن التسوية على صعيد الرئاسة لم تنضج بعد، وبالتالي فإنها تتوقع عدم اكتمال النصاب القانوني لجلسة الأربعاء الانتخابية، ما سيرغم بري على تجديد الدعوة لمرة ثانية وثالثة اذا لزم الأمر، من دون أن يعني ذلك أن احداها ستنتهي إلى انتخاب رئيس جديد في ظل اعتقاد راسخ لدى المرجعيات المحلية بأن الأمور ما زالت مفتوحة على الاحتمالات كافة، بما فيها الفراغ ولو لمدة قصيرة لا تتعدى الشهر الواحد يكون كفيلاً بتظهير صورة الرئيس السوري العتيد.