لم يعد بمقدور قياديي "التيار الوطني الحر" الحديث مطولاً عن كتاب "الإبراء المستحيل"، حتى ولو برروا ذلك اليوم بالقول أن رئيس كتلة "المستقبل" النائب فؤاد السنيورة لم يكن مقصوداً به، كما لم يعد بمقدور قياديي تيار "المستقبل" الحديث عن "تجاوزات" رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، خلال فترة توليه رئاسة الحكومة العسكرية، ولا عن أمور كثيرة كانوا قبل أشهر قليلة يتهمونه بها، خصوصاً بالنسبة إلى تصرفات وزرائه في الحكومات السابقة.

ما حصل خلال الجلسة التشريعية بالنسبة إلى ملف سلسلة الرتب والرواتب أكد المعلومات التي كانت تتحدث عن "هدنة" بين التيارين، بدأت منذ اللقاء "الشهير" بين العماد عون ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، والذي كان نتيجة لخلوة تكتل "التغيير والإصلاح".

تخبط في التيارين

انه زمن الإنتخابات الرئاسية، التي يحلم رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" بالفوز بها منذ زمن طويل، وفيه لا يعود جائزاً الحديث عن الـ"one way ticket"، حيث من الضروري أن يحظى العماد عون بتأييد نواب كتلة "المستقبل" من أجل الوصول إلى قصر بعبدا، لكن هذا الأمر لا يمر بالسهولة التي يتخيّلها البعض، فهناك حالة من "التخبط" يمر بها قياديو التيارين في هذه الفترة، وتظهر جلياً من خلال المواقف التي يتم التراجع عنها سريعاً.

وحول هذا الموضوع، يعترف القيادي في "التيار الوطني الحر" الوزير السابق ماريو عون أن هذا التقارب طرح الكثير من التساؤلات، لكنه يلفت إلى أنه نتيجة سياسة الإنفتاح التي يعتمدها التيار على كل الأفرقاء، خصوصاً باتجاه تيار "المستقبل"، ويؤكد أن هناك ضرورة من أجل الوصول إلى تفاهم أوسع وأشمل على الصعيد الوطني، ويوضح أن هناك أهدافاً أخرى سوف تظهر تباعاً.

ويتطرق الوزير السابق عون، عبر "النشرة"، إلى ما حصل بالنسبة إلى سلسلة الرتب والرواتب في المجلس النيابي، ويشدد على أن ليس هناك من هو ضد إقرارها، لكنه يشير الى ان التكتل فضّل التريث من أجل تأمين كافة الموارد، وينفي وجود أي إرباك في صفوف التيار نتيجة هذه العلاقة، ويؤكد أن هناك رغبة في أن تتطور أكثر، ويرى أن الإرباك قد يكون حاصلاً في المقلب الآخر، كون الحريري غير موجود في البلاد من أجل إطلاع القاعدة على تطور الإتصالات بين الجانبين، بالإضافة إلى إعلان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ترشحه إلى رئاسة الجمهورية.

من جانبه، يشير عضو كتلة "المستقبل" النائب خالد زهرمان إلى أن ما يحصل يأتي في سياق الإنفتاح الذي لم تكن تسمح الظروف به في الفترة السابقة، لكنه يشدد على أن هذا لا يعني التنازل عن المبادئ والأفكار في سبيل العلاقة، ويؤكد الإنفتاح على الحوار مع كل الأفرقاء.

ويوضح النائب زهرمان، في حديث لـ"النشرة"، أن الذي حصل في موضوع السلسلة هو سعي إلى التأكد من تأمين كافة الموارد المطلوبة، وكل الأفرقاء متفقون على هذا الأمر، ويشير إلى أن الخلاف مع "الوطني الحر" لا يزال كبيراً بالنسبة إلى الأمور السياسية، لكن هذا لا يعني إغلاق قنوات الحوار.

الإستحقاق الرئاسي

على صعيد متصل، طُرحت في الفترة الأخيرة الكثير من التساؤلات حول إمكانية إنعكاس هذا التفاهم على الإستحقاق الرئاسي، من خلال دعم الحريري لترشح عون إلى رئاسة الحكومة، من دون أن يتم حسم هذا التوجه من الفريقين.

وفي هذا السياق، يوضح الوزير السابق عون أن الجميع يعلم أن الإنتخابات الرئاسية تحصل عبر توافقات معينة، والعماد عون لم يعلن ترشحه حتى الساعة بالرغم من إستعداده لهذه المهمة في حال تم التوافق عليه، لكنه يرى أن هذا الأمر لا يتعلق بالأوضاع اللبنانية فقط بل هناك تأثير لأكثر من دولة إقليمية ودولية.

وينفي الوزير السابق عون أن يؤدي ذلك إلى تغيير في مبادئ "الوطني الحر"، لكنه يشير إلى أن فريقاً سياسياً واحداً لا يستطيع قلب المعادلات، ويؤكد أن التيار لا يزال يرغب بالقضاء على الفساد، إلا أنه يسأل: "مع من نتحالف من قوى سياسية من خارج البلاد؟"، ويضيف: "على الجميع أن يدرك أن هؤلاء من الشعب اللبناني ومن النسيج الوطني".

في الجهة المقابلة، يؤكد النائب زهرمان أن من المبكر الحديث عن تفاهم سياسي بين التيارين، لأن هذا يتطلب الإتفاق على الثوابت، التي هي حكماً ثوابت قوى الرابع عشر من آذار، وهذا الأمر يتطلب من العماد عون إعادة النظر في مواقفه، ويضيف: "لا يمكن أن نتجاهل أنه غطى من خلال ورقة التفاهم مع حزب الله مغامرة تموز 2006 و7 أيار 2008 والتدخل في الحرب السورية".

ويشدد النائب زهرمان على أن الكلام عن تبني تيار "المستقبل" ترشح العماد عون إلى رئاسة الجمهورية لا يستند إلى معطيات دقيقة، ويوضح أنه عندما تكون هناك رغبة في ذلك يجب أن يكون يمثل مواقف وثوابت قوى الرابع عشر من آذار، ويلفت إلى أن إعلان نواب من الكتلة دعمهم جعجع ينبع من هذا المبدأ.

في المحصلة، لا يبدو تيار "المستقبل" مستعداً لحسم موقفه من العلاقة مع "التيار الوطني الحر"، رغم عدم ممانعته لسياسة الإنفتاح التي يريدها الأخير، لكن يضع شروطه الواضحة مقابل التحالف السياسي، فهل لدى العماد عون الإستعداد للموافقة عليها؟