تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعداً لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، يقع في إطار إقليمي، بهدف جس نبض ما آل إليه ترتيب العلاقة السعودية ــ الإيرانية

يشبّه أحد السياسيين دعوة الرئيس نبيه بري الى انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 23 نيسان الجاري، بسرعتها وظروفها وتوقيتها، بلحظة تطيير حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتسمية النائب تمام سلام لتأليف الحكومة. ويقول إن ظاهر الدعوة محلي، لكن باطنها إقليمي.

ما هي أوجه الشبه بين الحالتين، رغم أن دعوة بري واجبة دستورياً؟

في لبنان، تأخذ المحطات المفصلية أوجهاً أخرى من الموجبات، فكيف الحال ووراء الباب استحقاق بحجم الاستحقاق الرئاسي. بعد تلويح ميقاتي مرات عدة باستقالة حكومته، جاءت اللحظة المناسبة لقبول الطرف الشيعي باستقالة من سماه يوماً خلفاً للرئيس سعد الحريري. سمّي تمام سلام، خلفاً له، في لحظة إقليمية، ظهرت فيها ملامح طفيفة لترتيب علاقات سعودية ــــ إيرانية، ومحاولات إقليمية ودولية لرعاية الاستقرار في لبنان. في الوقت نفسه، كان العالم الغربي يرعى مفاوضات مع إيران تمهيداً للاتفاق النووي، فيما كانت سوريا تستعد أيضاً لمواجهة اتفاق سحب الأسلحة الكيميائية. بين مجموعة من الالتقاءات الإقليمية والدولية، طارت الحكومة وبدأ العمل المحلي لتأليف أخرى. لكن الأمور جمدت، على مدى أحد عشر شهراً تقريباً، تطورت فيها الأحداث الإقليمية: وقّع الغرب اتفاقاً مع إيران، وآخر مع سوريا، وسرت مفاعيل التهدئة، في لبنان، تصاعدياً، مع تأليف الحكومة وصياغة بيانها الوزاري «بشق النفس» من أجل استكمال «عدة الشغل» الإقليمية.

وفيما كانت الحكومة تنطلق في دورة العمل الحكومي، بدأت القوى السياسية تطلق حملة رئاسية متعددة الاتجاهات. حاول رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون التعامل مع الاستحقاق على أنه ورقة أصبحت في جيبه، فيما حوّل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الاستحقاق الى معركة رئاسية بنموذج غربي، وتنافس داخلي بين حلفاء الصف الواحد، لتكر من بعده سبحة الأسماء والمرشحين. لكن رغم ذلك لم يتقدم ملف الاستحقاق في سلم الأولويات.

ساهم الرئيس نبيه بري في إطفاء محركات الاستحقاق. عمد الى إشغال اللبنانيين في متابعة جلسات تشريعية، فأقرت اللجان المشتركة سلسلة مشاريع قوانين، ودخل البلد في متاهة سلسلة الرتب والرواتب والاعتصامات والتشريعات والتحالفات التي صيغت من خارج توقعات بري وحزب الله لتطيير السلسلة.

في اليوم التالي للجلسة، حدد بري موعد الجلسة الانتخابية. قيل إن بري استجاب لدعوة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي للتعجيل في إجراء الانتخابات. لكن من يعرف أجواء عين التينة ــــ بكركي يعرف أن رئيس المجلس النيابي لا ينظر برضى عن الضغط الذي تمارسه بكركي عليه. وقيل أيضاً إن بري رد على عون وتحالفه مع المستقبل لتطيير السلسلة بتحديد موعد الجلسة الانتخابية.

حتى الآن، لا شيء

يوحي بانفراج

إقليمي يفرج عن الاستحقاق

لكن قطبة الانتخابات الرئاسية لا تحل في لبنان، كي يكون لها حسابات محلية فحسب. ففي اللحظة التي كانت التحالفات تتقلب فيها على جمر الرئاسيات في ساحة النجمة، لتطيير سلسلة الرتب والرواتب، كان رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان يعفى من مهماته بأمر ملكي. وهنا لب الموضوع الرئاسي اللبناني. فالسعودية شهدت أخيراً سلسلة متغيرات جوهرية داخل البيت السعودي، وعلى خط علاقاتها مع الدول العربية ومع حلفائها، ولا سيما بعد لقاء الملك عبدالله مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.

في السعودية، حصلت متغيرات، وهناك أخرى على الطريق، وكذلك ثمة أحداث منتظرة على قدر كبير من الأهمية، ومنها انتخابات العراق المقبلة، والتطورات الميدانية في سوريا، والحوار الإيراني مع الغرب، وترتيب العلاقة بين طهران والرياض.

وسط الصورة الجديدة، تأتي دعوة بري الى جلسة الانتخاب بمثابة جس نبض إقليمي، لمعرفة مسار التطورات الإقليمية وكيف يمكن أن تنعكس على لبنان انتخابياً. فلكل خطوة إقليمية ارتداداتها على الساحة الداخلية، وهو ما شهدناه في الفترة الأخيرة، على الأقل عبر تأليف الحكومة. لكن السؤال هو: هل يستلزم هذا المحك الانتخابي _ الإقليمي أشهراً كما جرى مع تأليف الحكومة، أم تأتي الأجوبة سريعاً؟

حتى الآن، لا شيء يوحي بأن المسار الإقليمي حقق انفراجات واسعة تنبئ باحتمال الإفراج عن الاستحقاق في سرعة تشبه تلك التي أنجز فيها البيان الحكومي، رغم أن بعض المرشحين هيأوا منذ الآن أنفسهم لأربعاء الانتخابات وكأنه يومهم الأخير قبل أن يصبحوا فخامة الرئيس. ورغم أن الأمور مرهونة في لبنان بإيقاع إقليمي غربي يمكن أن يتحول فجأة إلى المساهمة في فك العقد. فالأيام الفاصلة عن موعد الجلسة ستعيد الكثير من الحسابات على الطاولة، وستسمح للممسكين بخيوط اللعبة بأن يتلمسوا إذا كان لبنان صار على سكة إقليمية رئيسية تسمح له بإجراء الانتخابات، أو أن التطورات الإقليمية لا تزال تحكم ببقائه مستقراً أمنياً في ظل حكومة، ولكن من دون رئيس للجمهورية.

قبل أعوام، كان بري يعد اللبنانيين بـ«عيديات»، تارة في عيد الفطر وطوراً في عيد الأضحى. بالأمس، وفيما كان المسيحيون يتهيأون لعيد الفصح، أهدى بري المرشحين الموارنة هدية العيد، بتحديد جلسة الانتخاب سريعاً، بعدما كانت أجواء محيطين به تتحدث عن احتمال تأخير الدعوة الى ما بعد الأول من أيار. وهو بذلك تركهم مشغولين في العطلة، بترتيب أوضاعهم الانتخابية، وإضافة صلاة الفوز بالانتخابات، إلى صلاة الفصح.