في مقال منشور في صحيفة "النهار" بتاريخ 17 نيسان 2014، طالعتنا الصحافية السيدة سابين عويس بمعلومات وأرقام عن سلسلة الرتب والرواتب وصفتها بالخطيرة، فإذا بها تناقض الحقيقة والواقع، وتبرر مواقف من يدعون الحرص على مصلحة المواطن وعلى الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية فيسلبون أصحاب الحقوق من الموظفين والمتقاعدين حقوقهم، ولاسيما العسكريين منهم، هذه الحقوق التي تؤمنها سلسلة الرتب والرواتب الحالية والتي طال انتظار تحقيقها أكثر من ثمانية عشر عاماً.

إن مصلحة المواطن والسياسة المالية والاقتصادية الرشيدة التي أهملت الحكومات المتعاقبة مراعاتها خلال السنوات الثماني عشرة المنصرمة تقضي بأن يصار إلى تعديل الرواتب والأجور بنسبة زيادة مؤشرات الاستهلاك كل ثلاث سنوات على الأكثر، مما يحول دون تفاقم المشكلة وتاثيرها على المالية العامة وعلى الاقتصاد الوطني. غير أن التأجيل عند الحكومات المتعاقبة طبع، وتغيير الطبع من المحال.

أما بشأن الأرقام المدلى بها من قبل السيدة سابين عويس فيهمنا أن نوضح ما يلي:

أولاً: بالنسبة إلى مشروع الحكومة

أ‌- بالنسبة إلى نفقات مشروع الحكومة:

1- كانت نفقات المشروع المقدم من الحكومة مقدرة بـ 1.669 مليار ليرة منها:

851 مليار ليرة لزيادة غلاء المعيشة،

818 مليار ليرة لتحويل الرواتب.

2- إلا أن التدقيق في هذه الكلفة سرعان ما رفع قيمتها في اللجان المشتركة إلى 2.103 مليار ليرة منها:

851 مليار ليرة لزيادة غلاء المعيشة،

1.252 مليار ليرة لتحويل الرواتب،

وذلك بعدما تبين أن هناك مبلغ 434 مليار ليرة قد أغفلت الحكومة احتسابه.

3- افتقر مشروع الحكومة إلى العدالة والمساواة التي يجب أن يتصف أي تشريع بهما. فعلى سبيل المثال:

- بلغت نسبة الزيادة لموظفي الفئة الثانية 64%،

- في حين بلغت بالنسبة إلى الملازم في القوى العسكرية 3%.

- وبلغت الزيادة لعديد العسكريين البالغ 93576

(مع تدبير الاستنفار) 130 مليار

- ولعديد الإداريين البالغ 17226ألفاً 94 مليار

- ولعديد أفراد الهيئة التعليمية البالغ 28486 ألفا 292 مليار

الأمر الذي استدعى إنصاف الفئات المغبونة، وبموافقة جميع ممثلي الكتل النيابية في اللجنة الفرعية (المستقبل – الاشتراكي – القوات اللبنانية – التنمية والتحرير – التغيير والإصلاح – الكتائب – الوفاء للمقاومة)، ومعظم أعضاء اللجان المشتركة الأربعة والخمسين (لجنة المال والموازنة- لجنة الإدارة والعدل- لجنة الدفاع الوطني- لجنة التربية والتعليم العالي) مما رفع كلفة المشروع الفعلية إلى 2241 مليار ليرة.

ب‌- بالنسبة إلى واردات مشروع الحكومة:

1- قدرت الحكومة الواردات المرتقبة لتغطية النفقات البالغة 1.669 مليار ليرة بمبلغ 1.339 مليار ليرة، أي بنسبة 80% من قيمة النفقات المقدرة من قبل الحكومة و64% من قيمة النفقات الفعلية لمشروع الحكومة، علماً بـأنها ليست كلها واردات دائمة.

فهل تحقق هذه النسبة ما يردده الرئيس السنيورة، ونحن معه في ذلك، من أن كل إنفاق يجب أن يقترن بواردات مماثلة في قيمتها وطبيعتها؟

2- بنتيجة التدقيق في الواردات المقدرة من قبل الحكومة تبين أن البعض منها مبالغ في تقديره. فعلى سبيل المثال:

- قدرت رسوم الطابع المالي على رخص البناء بمبلغ 600 مليار ليرة،

- فتبين بعد التدقيق مع المراجع المعنية في وزارة المالية وفي التنظيم المدني وفي نقابة المهندسين أن عائدات هذا الرسم لا تتجاوز الـ 305 مليار.

3- إن عدم الدقة في تقدير الواردات استوجب إعادة النظر بها مع المراجع المعنية في الوزارات المختصة (وزارة المالية: مديرية الواردات وإدارة الجمارك - وزارة الأشغال العامة والنقل: الميرية العامة للتنظيم المدني والمديرية العامة للنقل البري والبحري - وزارة الطاقة والمياه - وزارة العدل - نقابة المهندسين...)، الأمر الذي خفض تقدير هذه الواردات إلى 924 مليار ليرة، وخفض نسبة التغطية من 80% إلى 55% من نفقات مشروع الحكومة، وإلى 44% من قيمة النفقات الفعلية لهذا المشروع.

ثانياً: بالنسبة إلى مشروع اللجنة الفرعية واللجان المشتركة بالتالي:

أ‌- بالنسبة إلى نفقات هذا المشروع:

1- بلغت هذه النفقات 2.241 مليار ليرة منها:

2.103 مليار تمثل الكلفة الفعلية لمشروع الحكومة ،

138 مليار تمثل الكلفة الإضافية التي اقترحتها اللجنة الفرعية بإجماع جميع ممثلي الكتل النيابية الممثلة فيها، ووافقت اللجان المشتركة عليها، والتي بإضافتها تأمنت بعض مقومات العدالة والمساواة التي كفلها الدستور اللبناني.

2- يقتضي أن لا يغيب عن ذهن أي مطلع أن أعمال اللجنة الفرعية، وأعمال اللجان المشتركة بالتالي، هي أعمال تحضيرية تهيء لاتخاذ القرار في الهيئة العامة، حيث تدور المناقشات وتتخذ القرارات.

ب‌- بالنسبة إلى واردات مشروع اللجنة الفرعية واللجان المشتركة بالتالي:

1- إضافة إلى الإيرادات الواردة في مشروع الحكومة والبالغة 924 مليار ليرة بعد التدقيق والتعديل، عمدت اللجنة الفرعية من جهة، واللجان الفرعية في ما بعد، وبالتعاون والتنسيق التام مع المراجع المعنية في الوزارات المختصة التي سبقت الإشارة إليها، إلى البحث عن إيرادات جديدة وتقديرها، فتم تأمين مبلغ يقدر بـ 2.156 مليار ليرة كإيرادات دائمة، و80 مليار ليرة كإيرادات مؤقتة، في حين أن هناك إيرادات دائمة يتراوح تقديرها بين 470 مليار ليرة و550 مليار ليرة تنتظر البت بها من قبل الهيئة العامة، وإيرادات مؤقتة من البناء المستدام (البناء الأخضر) ومن تسوية مخالفات البناء تقدر بحوالي 1.120 مليار ليرة تنتظر البت بها أيضاً. وهنا تجدر الإشارة، الى ان المقترحات الجديدة في جدول الواردات، بعضها ما تقدّمت به اللجنة الفرعية كالبناء المستدام والضريبة على شركات الأموال المسجّلة في البورصة، وبعضها ما تقدّمت به وزارة المالية كالضريبة على أرباح المصارف.

2- إن الإيرادات التي توصلت اللجنة إليها تغطي نسبة تزيد على المائة بالمائة من الكلفة التي قدرتها اللجان المشتركة.

3- تجدر الإشارة إلى أن هناك إيرادات لم تحتسبها الحكومة ولا اللجنة الفرعية ولا اللجان المشتركة ناتجة عن المحسومات التقاعدية وضريبة الدخل على الزيادات التي ستطرأ على الرواتب والأجور، وتقدر بما لا يقل عن 150 مليار ليرة.

وفي الختام لا يسع المكتب الإعلامي للنائب إبراهيم كنعان إلا أن يشير إلى خمسة أمور أساسية:

- أولها، أن اللجنة الفرعية قد وضعت تقريراً بنتيجة أعمالها وضمنته من المبادئ التي اعتمدتها في تعديل سلاسل الرواتب بما يحقق العدالة والمساواة، ومن التفتيش عن الإيرادات الجديدة والكافية بقيمتها وطبيعتها لتغطية النفقات المرتقبة، ومن البنود الإصلاحية المتلازمة مع إقرار السلسلة. وكم كنا نتمنى أن يطلع الغيارى على مصلحة المواطن وعلى الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية على مضمونه قبل التجني على ما أنجزته اللجنة الفرعية واللجان المشتركة التي تبنت ما ورد فيه بالتالي.

- وثانيها، أين كان المتباكون على الإصلاح وعلى حقوق الموظفين الإداريين، عندما أهملوا الإصلاح في كل شأن منذ أكثر من عشرين سنة، وأقروا قوانين استثنائية منحت درجات استثنائية لفئة من الموظفين دون سواهم، ما أوجد خللاً في الأوضاع الوظيفية، ورتب حقوقاً مكتسبة لهذه الفئة دون سواها؟، وذلك بدلاً من إعادة النظر في الرواتب والأجور كل سنتين قياساً على زيادة مؤشرات الاستهلاك، والتي تشمل جميع الفئات في القطاع العام، وتؤدي الى الحفاظ على الخزينة وسلامة الاقتصاد من تضخّم العجز وتراكم الحقوق.

- وثالثها، أنه يكفي اللجنة الفرعية، واللجان المشتركة بالتالي، أنها تصدت لموضوع سلسلة الرتب والرواتب، فأثبتت حقوقاً تأخرت تلبيتها منذ أكثر من ثماني عشرة سنة، وأمنت إيرادات كافية لتغطيتها، وأثبتت بما لا يقبل الجدل أن اللجان ليست مقبرة المشاريع. فحبذا لو انتهج الآخرون هذا النهج لوفروا على البلاد والعباد عناء التضليل والتهويل.

- ورابعها، أن مجرد مقارنة بسيطة بين مشروع الحكومة والمشروع المعروض على الهيئة العامة يثبت بما لا يقبل الجدل الحقائق والوقائع التالية التي نأمل أن تأخذها اللجنة الجديدة في الاعتبار:

• نفقات مشروع الحكومة الفعلية 2.103 مليار ليرة مقابل إيرادات بقيمة 924 مليار ليرة، وبنسبة تغطية تبلغ 44%، والمشروع لا يحقق العدالة والمساواة بين العاملين في خدمة الدولة ولاسيما العسكريين منهم.

• نفقات المشروع المعروض على الهيئة العامة 2.241 مليار ليرة مقابل إيرادات بقيمة 2.526 مليار ليرة على الأقل، ويحقق العدالة والمساواة.

فايهما أفضل للخزينة وللاقتصاد وللمالية العامة؟ وأي الأرقام هي الخطيرة؟

- وخامسها، كان يتمنى النائب إبراهيم كنعان ان لا يخيّب ظن السيدة عويس ومصادرها، بمسألة استبعاده من قبل العماد ميشال عون عن الملف المذكور، لكن الواقع والحقيقة ان أي تحالف مع التيار الأزرق او غيره لن يكون على حساب حقوق الناس والاصلاح والتيار الوطني الحر وقناعاته، خصوصاً ان "الأرقام الخطيرة" هي فعلاً واقعاً وحقائق موثّقة، لكن في مكان آخر، ما يدفعنا الى ان نتمنى ان يوظّف كل جهد لاصلاح هذا الواقع، بدل التعمية عليه.