اذا صح القول ان الحكم على الافعال وليس على النوايا، يكون الرئيس نبيه بري قد شمر عن ساعديه وبدأ بفحص نوايا كل الكتل النيابية الناخبة بعد ان كان اختبرها عبر لجنته النيابية الثلاثية.

وينقل مقربون عن الرئيس بري انه اختار ان تكون الجلسة نهار الاربعاء المقبل وليس كما يحب عادة ان تكون الجلسات الثلاثاء او الخميس فالثلاثاء يصادف عطلة الفصح بينما تحيي الطائفة الارمنية ذكرى المجازر التركية الخميس فكان خياره ان تكون الجلسة الاربعاء في منتصف الاسبوع.

ويعتقد بري على غرار القوى الداخلية الاخرى ان الظروف التي تؤدي الى نجاح الاستحقاق ليست متوفرة حتى كتابة هذه السطور وان الاخذ والرد الداخليان لم يرقيا الى درجة النضوج الاولية فلا يكفي لان نشعل النار لنشم رائحة الشواء.

ويبدو الرئيس بري وهو سّيد العارفين ورئيس طهاة الاستحقاقات اللبنانية في موقع الحذر من القيام باي خطوة او مبادرة في اتجاه ما من دون ان يشعر على الاقل بجدية الآخرين او ان يراهم مقتنعين باسم ما او راغبين في الذهاب بعيداً نحو انجاز الاستحقاق الرئاسي. وعليه فاذا كان المعنيون غير مستعجلين وغير جاهزين فلماذا يحرق بري اصابعه بملف لا يسأل عنه اصحابه؟.

فعلها بري واستجاب لنداءات البطريركية المارونية ودعا الى جلسة الاربعاء فهو من ناحية قام بواجباته الدستورية كراع نيابي ودستوري وسياسي لاجراء الاستحقاق ومن جهة ثانية رمى الكرة في ملعب الكتل النيابية وفرض عليهم بموجب الدستور امرين: الاول ان يذهبوا باسماء مرشحيهم وثانياً ان يؤمنوا النصاب المطلوب لانعقاد الجلسة.

واعاد بري التجديد ايضاً ان النصاب المطلوب للجلسة هو 86 نائباً حضوراً و86 تصويتاً في دورة الاقتراع الاولى وفي الثانية 86 نائباً حضوراً و65 تصويتاً.

وعليه فإن الجلسة الاولى الاربعاء وسيرها ومجرياتها تحدد سير العملية الانتخابية.

وبعيداً من الآلية الدستورية للانتخاب، تفعل السياسة فعلها في حسابات الفريقين الآذاريين. ففي صفوف 14 آذار زحمة مرشحين فسمير جعجع ترشح اولاً وحشر كل حلفائه في الزاوية وبدا ترشح روبير غانم كاشارة من تيار المستقبل الى عدم رضاه عن فرض جعجع ترشيحه عليه بينما يسعى امين الجميل الى التأكيد على جدية حظوظه ليكون مرشحاً مقبولاً من فريقه والمقلب الآذاري الآخر على اعتبار ان للجميل علاقاته مع الرئيس بري وحزب الله وحتى التيار الوطني الحر.

وهذه التداخلات في صفوف 14 آذار تضع تيار المستقبل امام خيارات صعبة تتطلب منه فعلاً اخذ موقف صريح وواضح من كل مرشحيه فلا يمكنه في نهاية المطاف ان يتبنى 4 او 5 ترشيحات كما لا يمكنه منذ هذه اللحظة ان يحصر خياراته مع كل قوى 14 آذار باسم واحد.

وفي كل الاحوال هناك 3 او 4 ايام قبل ان يحسم المستقبل وحلفاؤه امرهم قبل الذهاب الى جلسة الاربعاء اذا كانت هناك نية فعلاً للذهاب الى المجلس وتأمين النصاب.

في المقلب الآذاري الآخر يسود الهدوء خلف الابواب الخلفية لحارة حريك والرابية وعين التينة رغم كل الضجيج الصادر من مطابخ القوات اللبنانية وتيار المستقبل عن خلافات مستحكمة بين العماد عون وحليفه حزب الله وبين عون وبري نفسه على خلفية الجلسة التشريعية الاخيرة المتعلقة بسلسلة الرتب والرواتب. فلا حزب الله ولا حركة امل ولا التيار الوطني الحر يتحدثون عن "عمليات بيع وشراء وخيانة وتخل والتفاف" بين حلفاء الخيار الاستراتيجي فالتباين في السياسة الداخلية سواء اكانت حكومية او نيابية امر صحي ووارد وليست هي المرة الاولى التي يعكر صفو العلاقات الممتازة أمر من هنا وقضية من هناك.

فكما يقارب الحلفاء الملفات المعيشية والمطلبية بهدوء يتعاطون ايضاً بروية وتأن مع ملف الاستحقاق الرئاسي. والمعلومات المتوفرة المتداولة بين مقار قوى 8 آذار والتيار وحزب الله تفيد بان لقاء بين اقطابها او ممثلين عنهم سيعقد على ابعد تقدير مساء الثلاثاء المقبل للبحث في آخر المستجدات والمعطيات الرئاسية فبعد حسم ان يكون المرشح الوحيد لها هو العماد عون اذا ترشح او لم يترشح علناً هذه الفترة حتى لا يقال انه ترشح في وجه جعجع، يتبقى امامها خيار ثان في حال تغيرت الظروف وهو الوزير سليمان فرنجية الذي بدوره لن يحسم امر ترشحه الا اذا امتنع العماد عون عن الترشح وهو امر متفق عليه بين الرجلين خلال عشاء جمعهما منذ اشهر.

المسألة الاخيرة التي سيحسمها لقاء اقطاب 8 آذار هو قرار حضور جلسة الاربعاء او عدم حضورها وهو قرار مرهون بتطورات الربع الساعة الاخير وخريطة طريق 14 آذار التي تبدو مربكة اليوم اكثر من اي وقت مضى.

في اروقة القرار في حارة حريك ازاحة الامير بندر وتعيين الامير مقرن ولياً للعهد في السعودية مشهدان من مشاهد التبدل في السعودية. لكنهما لا يوحيان بتبدل سريع في مشهد التأزم بين المملكة وايران لذلك الحديث عن انفراج رئاسي لبناني من الاربعاء فصعوداً اجتهاد يحتاج الى التدقيق.