صحيح أنّ الأمور تُقاس عادة بخواتمها، لكن الأصحّ أنّ في مسألة بأهمّية إنتخابات رئاسة جمهورية لبنان لمدّة ست سنوات، من الضروري إدارة المعركة الإنتخابية بأسلوب ناجح، من البداية إلى النهاية. وحتى هذه اللحظة يبدو أنّ فريق "​8 آذار​" يتقدّم بالنقاط على فريق "14 آذار". كيف ذلك؟

في جانب قوى "14 آذار"، تغلّب طابع "الأنا" على "روح الفريق"، وبدل الإتفاق من البداية على مرشّح واحد، لتوفير أوسع دعم ممكن له، والعمل على توفير غطاء إقليمي ودولي له، يعمل أكثر من طرف سياسي محسوب بشكل أو بآخر على هذا الفريق، على تسويق أسماء مرشّحين متعدّدين، من دون اللجوء إلى تصفية داخلية سرّية تنتهي بتقديم الأقوى والأكثر حظّاً. وساهم في زيادة هذه البلبلة غياب رئيس "تيّار المستقبل" سعد الحريري عن الإعلام، وإرسال الشخصيات المحسوبة عليه إشارات ضبابية. وعلى الرغم من إعلان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ترشيحه رسمياً إلى الإنتخابات، فإنّه حتى الساعة لم يحظَ بدعم فريق "14 آذار"، في الوقت الذي يتعرّض فيه لهجمة إعلامية شرسة من خصومه السياسيّين الذين نبشوا كلّ ملفّات الحرب، الصحيحة منها والمُفبركة، في محاولة تهدف إلى "قطع طريق" عليه قبل الوصول إلى جلسة الإنتخاب.

في المقابل، عرف فريق "8 آذار" بقيادة "حزب الله" التعامل مع ملف الإنتخابات الرئاسية، فأبقى "ورقته مستورة"، لعلمه المُسبق أنّ إنتخابات الرئاسة في لبنان لا تتمّ بالشكل الديمقراطي السليم كما في دول العالم المُتحضّر، حيث يجب أن يتقدّم المرشّحون بترشيحاتهم وأن يعلنوا برامجهم الإنتخابية. ومنح "حزب الله" رئيس "كتلة التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون هامش حركة ومناورة واسع، لجهة الإنفتاح على الأطراف السياسية الداخلية، ولجهة قيام مسؤولين في "التيّار"، ومنهم وزير الخارجية جبران باسيل، بالتسويق للعماد عون خارجياً. وترافق ذلك، مع حملة إعلامية واسعة أدارتها المجموعة الإعلامية التابعة لقوى "8 آذار"، تُسوّق لإتفاق تسوية وشيك بين العماد عون والحريري، وكذلك لتفاهم وشيك بين حزبيهما، الأمر الذي زاد من حال الإرباك في صفوف "14 آذار".

وبعد تحديد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، الأربعاء في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، موعداً لإنتخاب رئيس، صار الوقت ضيّقاً، وبات من اللازم حسم الخيارات بسرعة. ومشكلة "14 آذار" أنّه حتى لو إتفقت على مرشّح واحد، ودخلت به إلى الجلسة، وحتى لو كان من غير "الصقور" فيها، أي غير جعجع، فإنّ فوز هذا المرشّح بمنصب الرئاسة، يعني تلقائياً إمساك قوى "14 آذار" بمنصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة معاً، كون "تيّار المستقبل" لن يؤمّن الفوز برئاسة الجمهورية، ويتخلّى عن رئاسة الحكومة لخصومه السياسيّين على الساحة السياسيّة. في المقابل، إنّ "8 آذار" لا تواجه مشكلة في هذا الصدد، حيث تعمل على تسويق "الجنرال" وكأنّه مرشّح تسوية، علماً أنّ العماد عون الذي خفض وفريقه الحزبي سقف تصاريحه السياسية في المدّة الأخيرة، يُمسك ورقة مساومة مهمّة بيده، تتمثّل بالتعهّد بإيصال رئيس "تيّار المستقبل" إلى رئاسة الحكومة إن أوصله هذا الأخير إلى رئاسة الجمهورية، مع التذكير أنّ الحريري كان أُبعد عن السلطة عندما جرى خرق "إتفاق الدوحة"، لجهة التعهّد بعدم الإستقالة من حكومة الشراكة آنذاك، وبعد إنقلاب عدد من نوّاب طرابلس عليه، وتراجع رئيس "الحزب التقدّمي الإشتراكي" وليد جنبلاط أمام ضغوط "القمصان السود".

وبحسب المُعطيات والتوازنات الداخلية والإقليمية الحالية، فإنّ ما لم تنجح قوى "14 آذار" في تحقيقه خلال إنتخابات العام 2007 الماضية، يوم كانت في أوجّ قوّتها، لن تتمكّن من تنفيذه اليوم، ما يعني أنّ الإمساك بمنصبي رئاسة الجمهورية والحكومة معاً غير ممكن. وإذا كان الفشل السابق مرتبطًا إلى حد بعيد بلغة السلاح التي إعتمدت بوجه "14 آذار" وبقرار "إقفال المجلس النيابي"، يضاف إليهما سلسلة الإغتيالات التي طالت قيادات "ثورة الأرز"، فإنّ أجواء التشاؤم الحالية مرتبطة بالإنقسامات التي تسلّلت مع الوقت إلى جسم "14 آذار"، علماً أنّ كل أوراق الضغط المقابل السابقة ما زالت حاضرة.

وفي الخلاصة، من حيث الشكل فريق "8 آذار" يتقدّم بالنقاط على فريق "14 آذار". لكن هذا الأمر لا يعني من حيث المضمون، أنّ الفريق المُتقدّم سيكون قادراً على إيصال من يريد إلى منصب الرئاسة في جلسة الأسبوع المقبل، حيث كلّ المعطيات تؤكّد أنّ جلسة الأربعاء لن تنتهي بإنتخاب رئيس. وحتى هذه اللحظة لا يزال الفراغ هو المتقدّم على كل "السيناريوهات" الأخرى، أقلّه حتى نهاية الفترة الدستورية. وبعدها يُصبح الحديث جدّياً أكثر بين الأطراف المحلّية والجهات الإقليمية والدولية المُؤثّرة، بشأن هويّة مرشّح التسوية الذي لن يكون من "أقوياء الصفّ الأوّل" على الرغم من كل المساعي والجهود المتبادلة في هذا الصدد.