بغضّ النظر عن هويّة القوى المهاجمة، ودور الوحدات غير السورية التي تدعم الجيش السوري في المعارك القائمة، الأكيد أنّ النظام السوري نجح في تحقيق إنتصارات ميدانيّة مهمّة في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، كان آخرها في منطقة القلمون. لكن وعلى الرغم من الأهميّة الإستراتيجية لذلك، فإنّ عين النظام هي على هدف آخر، ما هو؟

بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ النظام السوري يعتبر أنّ الإنتخابات الرئاسية السورية المقبلة تُشكّل محطّة فاصلة في الصراع القائم في سوريا. وهو يعلم علم اليقين أنّ الكثير من الدول العربية والغربيّة تراهن على هذه المحطّة لتكون نقطة تحوّل في الحرب المستمرّة منذ أكثر من ثلاث سنوات. فالكثير من الجهات الخارجية تدعو إلى أن يكون موعد إنتهاء الولاية الثانية للرئيس السوري ​بشار الأسد​ فرصة لإبعاده عن السلطة سلمياً، ولتسليم الحكم إلى حكومة وحدة تضمّ ممثّلين عن النظام وآخرين عن المعارضة. وهذه الجهات تعتبر أنّ من شأن تنظيم إنتخابات رئاسية في سوريا في ظلّ الظروف الراهنة، أن يهدر أيّ فرصة لإحلال السلام في المستقبل القريب. وهي تعتبر أيضاً أنّ تنظيم الإنتخابات في ظلّ إستمرار المعارك والعمليّات العسكرية في أكثر من منطقة، وفي ظلّ وجود ملايين اللاجئين السوريين خارج الأراضي السورية وملايين النازحين داخل سوريا، وفي ظلّ عدم الإتفاق على قانون إنتخابي مُنصف، يعني فرض أمر واقع سيصعب تغييره في المستقبل، ما سيزيد من تدهور الأمور بشكل كارثي.

من هنا، قرّر النظام السوري إقفال الطريق على أيّ تفكير عربي أو غربي بفرض تسوية وسطيّة، منطلقاً من معطيات ميدانية وسياسية تصبّ في مصلحته. فالإنتصارات الميدانية التي حقّقها الجيش السوري والقوى الحليفة في الماضي القريب وسّعت مناطق نفوذه أكثر فأكثر حيث إسترجع الكثير من المدن والبلدات التي كانت المعارضة المسلّحة تسيطر عليها، وأبعد الخطر أكثر فأكثر عن العاصمة دمشق. وعلى مستوى الدعم اللوجستي الذي يتلقّاه، فإنّ دقة المفاوضات الإيرانية–الغربيّة بشأن ملفّ طهران النووي، ودقّة العلاقات الروسية–الغربية نتيجة أزمة أوكرانيا المتفاقمة، يُوفّران له إستمرار الحماية الإقليمية المُتمثّلة بطهران والدولية المُتمثّلة بموسكو، في إطار صراع العاصمتين المذكورتين مع الغرب. أكثر من ذلك، إنّ الخلافات العربيّة–العربيّة بشأن أكثر من ملفّ، والترددّ الأوروبي إزاء الوضع السوري، وإعطاء الولايات المتحدة الأميركية الأولويّة لملفّات القارة الآسيويّة على حساب ملفّات الشرق الأوسط، يجعل الوقت مُناسباً للنظام السوري للإنقضاض على معارضيه، ليس عبر الهجمات الميدانية للجيش السوري فحسب، بل عبر ضربات سياسية حاسمة أيضاً.

من هنا، فإنّ هدف النظام السوري في المستقبل القريب ينحصر بفرض أمر واقع يستحيل تغييره بسهولة، يتمثّل بإعادة إنتخاب الرئيس الأسد لولاية جديدة، بغض النظر عن أصوات التشكيك بشرعية هذا الإنتخاب التي لا بدّ وأن تصدر عن كثير من الجهات والأطراف. وبعد أن كان رأي بعض مسؤولي النظام السوري يميل في السابق إلى تمديد ولاية الرئيس لفترة زمنية محدّدة، إفساحاً في المجال أمام إبقاء قنوات الإتصال مفتوحة مع الغرب، جاءت التطورات العسكرية والسياسية، لتبدّل رأي أركان النظام، بحيث صاروا يستعجلون تمرير الإنتخابات الرئاسية بأيّ شكل من الأشكال، لإيجاد واقع جديد يعطي النظام مزيداً من النقاط بوجه المعارضة، بمجرّد إنتخاب الأسد لولاية ثالثة، بغض النظر عن اللغط القانوني الذي سيحدثه تطبيق دستور جديد إعتمدته سوريا في خضم الحرب ويحول دون مشاركة أيّ معارض فعلي في الإنتخابات(x)، وبغض النظر عن رفض الإعتراف المُتوقّع بنتائج أيّ إنتخابات، إن من قبل المعارضة أو من قبل الجهات الأجنبية التي تدعمها.

(x)يمنع الدستور السوري الجديد ترشّح أيّ سوري إلى الإنتخابات الرئاسية ما لم يكن مقيماً في سوريا خلال السنوات العشر الأخيرة، ما يعني منع المعارضين اللاجئين إلى الخارج من الترشّح والمشاركة بالإنتخابات. كما يمنع الدستور الجديد أيّ ناخب خارج البلاد من التصويت، ما لم يكن يملك جواز سفر قانونياً ممهوراً بختم خروج من معبر شرعي، ما يقصي كل المعارضين الفارين إلى الخارج.