لا شك أنّنا الآن ضمن الوقت الضيق لانتخاب رئيس جمهوريّة كجزء من محوريّة هيكل الدولة وفاعليّة السلطات الهرميّة فيه، وهذا يفترض على القوى السياسية التي تشكّل التوازن الميثاقي والنيابي الدخول بصيغة اتفاق على رئيس ضامن لهذا النحو من التشكيل الهيكلي والوظيفي الأساس في جسم الدولة.

إلاّ أنّ معركة القرار السّياسي في لبنان ما زالت كالأمس، تعيش التّوازنات القاتلة ويبدو واضحاً أنّ الانقسام السّياسي -بخلفيّة معركة سوريا- أكّد طابع فريق مصرّ على الانتصار للمشروع الغربي بشتّى ألوانه الدولية والإقليمية، قبالة فريق آخر هزم إسرائيل ويتقن قراءة وضع المنطقة بعقلية يراها الأطلسي مختلفة عن طموحاته ما وراء البحار.. وهذا ليس سراً، بل تعكسه التكتيكات واليوميات السياسية.

لذلك، ولأنّ تركيبة النوايا السياسية تكاد تكون وجهة نظر إقليمية دولية، فإنّ التجربة السياسية أكدت أنّ الإرادة الوطنية عصيّة على المصادرة، وإن كبت أو ضعفت أحيانا.

ولأنّ المطلوب ليس مصادرة الآخر أو إلغائه وعزله، بل تأكيد عرى الوطنيّة وسط منطقة تتزاحمها حمم الموت، وآليّات الانتحار الإقليمي والدّولي، فإنّنا بحاجة ماسّة لتأمين تسوية سياسيّة تلحظ لبنان برئيس جمهوريّة سيرته التاريخيّة وطنيّة وليس برنامجه المعلن بعد أن تحوّلت البرامج المعلنة إلى بازار سياسي رخيص، خصوصًا أنّ أيّ خطأ سياسي على مستوى رئاسة الجمهورية يمكنه أن يطيح بصيغة لبنان الحاليّة أو يضع البلد على حافّة الانفجار أو من شأنه أن يؤثّر على طبيعة الأمان الأساسي لدور الدولة كناظم للوطن والمواطن.

وبهذا المجال، لا بدّ من أخذ تجربة بعض الرؤساء بعين الاعتبار، لأنّ بعضها كانت سيئة للغاية، وتحوّلت دشمة تقسيميّة على مستوى الزواريب والأحقاد السياسيّة، فيما بعضهم تحوّل عقلاً هشّاً بمقاربة أخطر الخيارات الإقليمية الأكثر أهميّة على الإطلاق.

لذلك، فإنّ المطلوب رئيس مناقبي عابر للطوائف، ليس له مصلحة سياسيّة خاصّة، ولا يهوى لغة الزيارات الدولية والإقليمية ذات الروائح الكريهة، والأهم، أننا نريد رئيساً قوياً بمواجهة الإغراء الخارجي: إقليمياً ودولياً، لأنّ خيبة أملنا في التجارب المرّة المكرّرة، جاءت من الرّياح الخارجيّة وروائح الأرباح والوعود الذاتيّة.

على أنّ واحدة من وظائف رئيس الجمهوريّة الأهم، تأكيده عقيدة لبنان الخارجيّة إن لجهة عداوته مع إسرائيل، وحذره الشّديد من الكمائن الأميركية، وانتمائه الطبيعي لمحور هذا البلد وأخلاقياته، وعدم زجّ لبنان بخصومة مع سوريا، وتوطيد علاقاته العربية بما يخدم وطنية هذا البلد، فضلاً عن تطلّعه للعب دور الضّامن الفاعل للقضايا الاجتماعية والمهنية والصحية التي تشكّل أساس الأمن الوطني اللبناني والتي تكاد تتحوّل إلى هشيم تذروه الرّياح.

وعلى مستوى الأساس الأولي للأهليّة الرئاسية، فإنّنا نريد رئيساً تاريخه يدل على مناقبيته في هذا الظرف الحسّاس، وليس رئيساً يفتش عن التاريخ والمناقب.

* المفتي الجعفري الممتاز