مع دخول لبنان في الأيام الأخيرة لولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، يكثر الحديث عن انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، وعن المرشحين والتحالفات والمواصفات والنصاب، وتجري مقاربة هذا الموضوع من جميع الزوايا السياسية والدستورية، وسط حديث عن وجوب احترام المهل وضرورة تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب، إلا أنّ الجميع في لبنان يعرف بأن "اللعبة" الرئاسية هي في مكان آخر.

ومن هذا المنطلق، تشير مصادر سياسية مطلعة إلى أنّ انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية هي في حكم المؤجلة حاليًا، لأنّ الأولوية بالنسبة للدول المؤثرة في الحياة السياسية اللبنانية هي في مكان آخر، إذ إنه من المعروف أنّ الدول تعمل وفق مصالحها الخاصة، وبالتالي فإن التأجيل سيّد الموقف. وهنا تلفت المصادر النظر إلى أنّ التوافق الدولي على تشكيل حكومة لبنانية سياسية جامعة برئاسة تمام سلام والذي شكل مفاجاة في حينه لناحية التوقيت والشكل الذي تم به، كان الخطوة الأولى والأهمّ في رسم معالم المرحلة السياسية المقبلة، بحيث كان المطلوب من هذه الحكومة مهمة واحدة وهي قيادة لبنان في مرحلة فراغ كرسي الرئاسة الاولى.

وعند الحديث عن مدة تأجيل الانتخابات، تتوقع المصادر إجراءها منتصف الصيف المقبل على أقلّ تقدير، أو ما بعد الانتخابات التشريعية اللبنانية. فبحسب المصادر، يقع الاستحقاق الرئاسي اللبناني في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية الاقليمية والدولية، ذلك أنّ الأولوية الحالية هي للانتخابات التشريعية العراقية التي ستجري في أوخر نيسان الجاري، لما لتلك الانتخابات من قدرة على رسم معالم الحكم في العراق، ومن ثم تتجه الأنظار لانتخابات الرئاسة السورية في شهر حزيران المقبل، مع الاشارة إلى أنّ باب الترشح للانتخابات الرئاسية السورية قد فُتح يوم الاثنين. وهنا تلفت المصادر إلى أنّ كل ما يجري في المنطقة ينطلق من قاعدة أساسية هي العلاقات الايرانية-الغربية والمفاوضات الجارية بينهما، وبالتالي إنّ نتائج الانتخابات التشريعية العراقية ومن ثم الرئاسية السورية وبعدها اللبنانية ستشكل العناوين العريضة لهذه العلاقة.

وتعتبر المصادر أنّ كلّ ما يجري اليوم من ترشيحات في لبنان وتبنٍّ لها هو مشاهد تمثيلية توحي للمشاهدين بأن الجميع راغب في اجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده. وتشير إلى أنّ قوى 14 آذار تحاول لملمة نفسها والظهور بمظهر الفريق السياسي الموحد والقوي عبر تبني ترشيح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وهو الأمر الذي سيظهر في الساعات المقبلة وان كان لكل طرف داخل هذه القوى حساباته الخاصة، فرئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري يعلم بأن هذا الترشيح لن يغدو كونه مناورة سياسية لشد العصب في شارع "14 اذار". اما رئيس حزب "الكتائب" امين الجميل الطامح للرئاسة ايضا فيعتبر أنّ فشل جعجع بالوصول في الدورة الاولى هو أمرٌ محتّم، وسيفتح الباب واسعًا أمامه ليكون مرشح "14 آذار" في الدورة الثانية. أما في ما يتعلق بفريق "8 آذار"، فهو بحسب المصادر نفسها أكثر واقعية في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي بحيث ما زال يتريث باتخاذ موقف منه، رغم ما يُحكى عن تأييد لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" ميشال عون. وتشير المصادر إلى أنّ ضبابية موقف "8 آذار" لا تعني ضياع هذه القوى إنما معرفتها بأنّ انتخابات الرئاسة في لبنان لا تكون عبر الضجة الاعلامية بل عبر حديث الصالونات السياسية في الداخل والخارج.

وتؤكد المصادر أنّ معالم الرئيس اللبناني العتيد لم تتضح بعد بانتظار كل ما سبق واشارت اليه، فسياسة المنطقة مرتبطة بشكل وثيق، وكل خطوة يجب أن تتناسب مع الخطوة التي تسبقها والتي تليها. وتلفت إلى أنّ المرحلة الراهنة هي مرحلة حرق الاسماء وغربلة الطامحين وبالتالي قد يشكل الرئيس الجديد مفاجأة للبنانيين بحيث يكون من خارج لائحة الاسماء المتداولة.

وتختم المصادر بالتأكيد على أنّ اللعبة السياسية خاضعة للتغيرات اليومية، خصوصا بظل وضع سوري متغير، وبالتالي، لا يمكن الجزم بما سيجري في منطقة الشرق الاوسط التي تخضع ربما لإعادة رسم لمعالمها السياسية.