يدرك رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ ان لا إمكانية لوصوله إلى كرسي الرئاسة. يعرف أنّ أصوات "14 آذار" لا تقدر جميعها على تأمين نصاب قانوني لعقد جلسة إنتخابية. يعلم "الحكيم" أن عدد نواب تحالف "14 آذار" لا يصل إلى النصف زائدًا واحدًا. مع "الكتائب" والمتضامنين والمتحالفين والمتعاطفين مع "14 آذار" لا يتعدى العدد 58 نائبا. فكيف إذا عاد ثلاثة نواب منهم مروان حماده وفؤاد السعد وأنطوان سعد إلى الحضن الجنبلاطي لمؤازرة "رفيق الدرب" المرشح هنري حلو؟

في حال إنسحب نواب " الكتائب" الخمسة عن سرب "14 آذار"، سيبقى خمسون نائباً. يغيب منهم خارج لبنان رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري والنائب عقاب صقر، ولا يلتزم بعضهم بإنتخاب جعجع لحسابات خاصة ما يعني أنّ الأصوات التي ستنتخب رئيس "القوات" تدور على مساحة الأربعين صوتاً.

الأرقام محسوبة في معراب، رغم ذلك يصرّ جعجع على تحشيد الحلفاء لمعركة محسومة سلفاً لصالح مرشح التسوية.

يرغب رئيس "القوات" بأن يصبح مرشح الأكثر من أربعين صوتاً للرئاسة، يريد ان يضع نفسه على سكة المرشحين الدائمين للرئاسة، حتى لو كان حلم الوصول الى بعبدا بعيداً. هو ينسف المرشحين الدائمين في قوى "14 آذار"، و يتصدر لمساواة العماد ميشال عون ولو في الشكل. معركة جعجع تبدو في الارقام لا في الرئاسة المستحيلة.

الرسالة وصلت الى الرابية. يحسب "الجنرال" جيداً ويدرس خريطة الكتل النيابية. من هنا كان تركيز عون على انه مرشح توافقي. يعرف "الجنرال" ان أصوات الحلفاء والمتعاطفين والمحسوبين على "8 آذار" لا تتعدى 57 نائباً. جميعهم لا يستطيعون كما "14 آذار" تأمين نصاب قانوني على قاعدة الثلثين للجلسة الانتخابية.

انضمام نواب جنبلاط العشرة (من بينهم الثلاثة العائدين) لا يكفي لتأمين الثلثين، ما يعني أن الجلسة تحتاج لتسوية تخرق اصطفافات التحالفات القائمة، وتؤمن 86 نائباً- عدد ثلثي اعضاء المجلس لزوم انعقاد كل جلسة انتخابية.

يعلم عون ان الجلسة الأولى الأربعاء لا تحدد الرئيس، هي باتت طموح جعجع ومساحة اختبار الآخرين. لذلك تعددت الطروحات حول مقاطعة "العونيين" للجلسة وهو أمر محرج شعبياً وأمام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، أو ترشيح النائب اميل رحمة وهو ما استُبعد فوراً، أو استعمال الورقة البيضاء وهو ما يبدو الأكثر احتمالاً.

معركة الرئاسة تبدأ بعد الأربعاء. ما هو موقف المستقبل؟ هل ستبقى الكتلة ملتزمة بترشيح جعجع؟ الصيغة غير منتجة. هل سيسلك ترشيح جنبلاط لحلو؟ أيضاً الطرح لا يستند الى دعم نيابي. هل يتابع عون كمرشح فريق لا يحصل على تبنٍّ عابر للكتل؟ المحصلة هنا لا تنتج رئيساً. هل يمضي الرئيس السابق أمين الجميل في ترشحه؟ لن يحظى بأصوات أكثر من عدد نواب كتلته الخمسة بغياب تبني "14 آذار".

عملية حسابية بسيطة تؤكد ان لا جلسة ثانية بعد الأربعاء من دون نصاب الثلثين، ولا ثلثين من دون توافق يقوم على تسوية جامعة بين "8 آذار" و "14 آذار". وإلا في حال تأمين النصاب القائم على الثلثين من دون توافق، يستطيع في الجلسة الثانية أي من التكتلين في "8 أو 14" مع أصوات كتلة جنبلاط انتخاب رئيس. قد يصل حلو حينها مثلاً لسدة الرئاسة في حال صبت كتل "14 آذار" مع "جبهة النضال" لصالحه: 55 + 10- أي النصف 64 زائد واحد. أو قد يستطيع تكتل "8 آذار" مع "جبهة النضال" إيصال مرشح آخر: 57 + 10 - أي أكثر من النصف زائد واحد.

من هنا فإن اللعبة تقوم في الجلسات اللاحقة على أساس النصاب. ولا قدرة على عقد جلسة من دون الثلثين. ما يعني حتمية التسوية العابرة لحدود الكتل. قد لا يستطيع لبنان وحده فرض التسوية. حتى الآن لم ترصد أي وشوشة لسفير أو مبعوث أو وسيط إقليمي أو دولي، حتى ذهب أحدهم للقول: هل نستطيع فرض التسوية في لبنان من دون الأخذ في الحسبان الانتخابات من سوريا الى العراق وصولا الى مصر؟

هل يعقل ان يكون لبنان فجأة خارج الحسابات الإقليمية والدولية هذه المرة؟