لا الظروف المحلية نضجت، ولا الاتصالات الإقليمية والدولية افضت الى ترجيح خيار على الآخر. لذلك، سينزل النواب الى ساحة النجمة اليوم، تلبية لدعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانتخاب رئيس جديد، وهم يعلمون ان ساعة الانتخاب لم تأت بعد، وان الجلسة لن تكون الاّ بروفة أولى استشرافية، في انتظار ما ستؤول اليه الأمور في الأسابيع المقبلة.

انطلاقاً من هنا، لن يكون سيناريو جلسة اليوم مفاجئاً لأحد. فالأكيد ان نصاب الثلثين سيتأمّن العاشرة والنصف قبل ظهر اليوم، ليضرب بري بمطرقته مفتتحاً الجلسة. لكن الأكيد أيضاً، ان أياً من المرشحين المعلنين لن يحصل على اغلبية الثلثين المطلوبة (86 صوتاً) لانتخابه خلفاً للعماد ميشال سليمان. لذلك، سيرفع بري الجلسة الى موعد لاحق، يرجّح ان يكون الأسبوع المقبل، بحيث تخصص الأيام الفاصلة بين الموعدين، لمزيد من التشاور.

في الساعات الماضية، تسأل المعنيين عن مجريات الجلسة فيقولون: انها جلسة حرق ورقة جعجع. بمعنى ان الرابع عشر من آذار التي وقفت خلفه في الدورة الأولى، ستجد نفسها مضطرة للبحث عن خيار آخر في المرحلة المقبلة، لعدم قدرة "الحكيم" على الحصول على العدد الكافي من الأصوات، ما يحتّم بالتالي البحث عن "الورقة الرابحة". هنا، لعبتها الكتائب بذكى هذه المرة، فسارت بركب "14 آذار" مصوتة لجعجع، ومحتفظة بإمكانية طرح اسم رئيسها امين الجميل للمرحة المقبلة.

في المقابل، نجح التيار الوطني الحر وأحزاب الثامن من آذار في استراتيجيتهم، فاحتفظوا بأوراقهم المستورة الى الجلسات المقبلة. في الأيام الماضية، جرت نقاشات في ما بينهم حول إمكانية عدم تأمين النصاب. لكن الاتصالات التي نشطت على خط الرابية-حارة حريك-عين التينة-بنشعي-خلدة، افضت الى قرار تلبية دعوة رئيس المجلس والدخول الى قاعة الهيئة العامة وعدم تعطيل النصاب، في انتظار اتضاح الصورة ونضوج الظروف المناسبة ليستبدلوا الورقة البيضاء التي سيقترع بها نوابهم في جلسة اليوم، باسم مرشحهم العماد ميشال عون.

وما بين هذا الخيار وذاك، قرر النائب وليد جنبلاط هذه المرة ايضاً ان يغرّد خارج السرب، ولم يقتنع بالجواب الذي حمله موفده الى عين التينة الوزير وائل أبو فاعور "بالاقتراع الأبيض"، ففضّل الهروب الى خيار عضو كتلته هنري حلو، الذي كان متوقّعاً، تجنّباً لأي احراج يسببه تأييده لهذا المرشح او ذاك، وفي سعي منه الى الاحتفاظ بموقعه الوسطي، ليصرف اصواته العشرة في مصلحة الخيار الرابح متى دعت الحاجة. وقد نجح جنبلاط في هذا السياق بإعادة "لمّ الشمل" بعودة "النواب الحردانين" الى اللقاء الديموقراطي، وفي مقدمهم مروان حمادة.

اما أصوات "المستقلين" فتترنّح حتى الساعة، بانتظار المشاورات الصباحية التي ستسبق الجلسة، ما بين الورقة البيضاء، وأسماء متفرقة، من بينها هنري حلو. علماً ان لكل صوت منها تأثيره في المراحل المقبلة لترجيح هذه الكفة او تلك، حيث ستسعى هذه الشريحة الى "الصعود في البوسطة الرابحة"، لضمان مقاعد وزارية او نيابية، او على صعيد رئاسة الحكومة، في العهد الجديد.

اذاً، تؤكد الوقائع والمعطيات خسارة جعجع في الدورة الأولى امام الأوراق البيضاء، ولن "يستمتع بالمنازلة التي كان يتمناها في مواجهة ميشال عون"، حيث يتوقّع ان ينال حوالي الخمسين صوتاً، بينما سيتجاوز تعداد الأوراق البيضاء ال 55.

وفي النتيجة، سيكون النواب على موعد مع جلسة لاحقة، والمواطنون على موعد مع زحمة السير التي ستخلّفها الإجراءات الأمنية واقفال المداخل المؤدّية الى ساحة النجمة. بينما ستتأجّل الإجراءات البروتوكولية من سجاد احمر وموسيقى قوى الامن الداخلي الى حين موعد وقوف رئيس المجلس النيابي من على منصّة الرئاسة ليعلن للبنانيين والعالم انتخاب الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية منذ الاستقلال.

خيار الفراغ غير مستبعد حتى الساعة

يقول أحد الوزراء السابقين اللاعبين في كواليس الاستحقاق الرئاسي، ان الرئيس المقبل "هو نتيجة تزاوج الضرورات المحلية بالشراكة والمناصفة والاستقرار، مع الظروف الإقليمية التي لا تزال في مرحلة مخاض الولادة. فاذا نضجت الطبخة ايجاباً في الأسابيع المقبلة، ستكون الترجمة العملية المحلية لها انتخاباً للرئيس الجديد قبل الخامس والعشرين من أيار المقبل. اما إذا تطلّب الاتفاق النهائي مزيداً من الوقت والتشاور، فسيعني ذلك حكماً عدم القدرة على تأمين العدد الكافي من الأصوات لانتخاب الرئيس في المهلة الدستورية، ما سينعكس على مواعيد الجلسات الانتخابية المقبلة، ان تأجيلاً، او عدم تأمين للنصاب، او عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية الضامنة للفوز".

كيف ينتخب الرئيس دستورياً؟

في بداية الجلسة، ستتم تلاوة المواد الدستورية التي تتحّكم بمسار انتخاب الرئيس، لاسيما المادتان 49 و73. فالمادة 49 تشير الى ان الرئيس ينتخب " بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي". اما المادة 73 من الباب الثالث من الدستور فتشير الى ان "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس".