تخضع القوى السياسية اليوم لامتحان هو الأول من نوعه منذ عدة عقود، يتمثّل في خوض غمار الانتخابات الرئاسية من دون أن يكون في جيب أي من هذه القوى كلمة السر الإقليمية والدولية كما جرت العادة في محطات سابقة، وكذلك وسط مناخات ضبابية كثيفة تجعل هذه القوى في حيرة من أمرها حول مآل الأمور في ظل غياب التفاهم المطلوب حول شخص الرئيس قبل أن يعطي الرئيس بري إشارته الى أحد موظفي المجلس لكي يدور بالصندوقة على النواب للبدء في عملية التصويت.

ومن خلال الصورة النيابية التي باتت شبه واضحة يتبيّن أن جلسة اليوم ستكون جلسة نصاب لا جلسة ثقة بمعنى أن فريقي 8 و14 آذار والوسطيين ممن هم في لبنان سيكونوا تحت قبة البرلمان لحظة قرع الجرس إيذاناً ببدء الجلسة إذا تبلّغ الرئيس بري باكتمال النصاب.

وإذا كان غالبية فريق 14 آذار سيصوّتون الى جانب المرشح سمير جعجع، فإن فريق الثامن من آذار سيصوّت بورقة بيضاء، الى جانب أن كتلة جبهة النضال الوطني ستصوّت لصالح مرشحها هنري حلو، بيد أن بعض نواب طرابلس سيحجم عن التصويت من منطلق الحساسية التي يثيرها جعجع لدى المجتمع الطرابلسي على خلفية اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وبذلك فإن جعجع في حال صدقت الوعود التي تلقاها بشكل علني سيحصد قرابة الخمسين صوتاً أو أقل بقليل، وأن الفوز سيكون لصالح الورقة البيضاء في الجولة الأولى.

ووفق مصادر متابعة أن قرار فريق 8 آذار المشاركة في الجلسة وتأمين النصاب ينطلق من هدفين:

الأول إحباط إندفاعة جعجع وجعل منافسه الورقة البيضاء.

والهدف الثاني تجنّب إغضاب البطريرك الراعي الذي يجهد لانطلاق الانتخابات الرئاسية والحؤول دون الفراغ، وكذلك لعدم تحمّل وزر تطيير الجلسة وتصوير نفسه أمام الرأي العام المحلي والدولي على أنه هو من أعاق إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري.

وتلفت المصادر النظر الى أن عودة النواب مروان حمادة وفؤاد السعد وأنطوان سعد الى حضن جبهة النضال الوطني كان الهدف منه عدم الإحراج والذهاب الى التصويت لصالح مرشح الكتلة هنري الحلو بدلاً من التصويت الى صالح جعجع لأن مثل هذا الأمر سيحرج جنبلاط وسيكون له أثره السلبي على الساحة الدرزية والشوفية بشكل عام.

ولم تستبعد المصادر أن ينزل في الصندوقة أوراق لا هي لجعجع ولا هي بيضاء، وهي ربما تتضمن أسماء من خارج ندوة المرشحين وذلك من باب الزكزكة والإحراج، وهي أوراق تبقى خارج الحساب.

ماذا بعد إعلان نتيجة الدورة الأولى من الإنتخابات؟

تؤكد المصادر نفسها أن نصاب الجلسة سيفقد مع إعلان النتيجة وبالتالي سيتعذّر على الرئيس بري إعلان انطلاق الجولة الثانية، مما سيؤدي الى رفع رئيس المجلس الجلسة الى تاريخ يحدده هو وربما تكون بعد أسبوع أو أسبوعين، وهي ستكون استكمالية للجلسة لكن يصبح المرشح بحاجة الى 65 صوتاً لكي يفوز بدلاً من الثلثين ولو دُعي الى عشرات الجلسات.

وفي تقدير هذه المصادر أن الجولة الثانية من المستحيل تأمين نصابها، ما لم يكن هناك تفاهم مسبق على إسم الرئيس إما على المستوى المحلي أو على المستوى الإقليمي والدولي وهو ما يعني أن البحث سيتركز منذ اللحظة التي سترفع فيه جلسة اليوم على إيجاد السُبل الآيلة الى الوصول الى تسوية على غرار تسوية الدوحة، تؤدي الى انتشال هذا الاستحقاق من الفراغ الذي سيكون مكلفاً ومؤلماً في آن.

وتُعرب المصادر السياسية عن اعتقادها بأن موعد إجراء الانتخابات ربما يتجاوز الموعد الدستوري في الخامس والعشرين من أيار المقبل بأسابيع أو أشهر قليلة ومردّ ذلك زحمة الاستحقاقات في المنطقة حيث أن النوافذ الإقليمية والدولية مقفلة على لبنان بفعل متابعة مجريات الأحداث في الشرق الأوسط، وأن لبنان في الوقت الراهن ليس أولوية على الأجندة الخارجية المليئة بالملفات الأكثر إلحاحاً بالنسبة لصنّاع القرار في هذا العالم.

ولا ترى المصادر أن المناخات الموجودة على الساحة الداخلية تؤشّر الى إمكانية انتخاب رئيس تقتصر صناعته على الأيادي اللبنانية، باعتبار أن الانشطار السياسي الموجود يقف عقبة رئيسة أمام مثل هذا التوجّه الذي يبقى مجرد أضغاث أحلام في هذه المرحلة، وهو ما يعني أن على لبنان أن ينتظر نضوج الطبخة الإقليمية والدولية أو على الأقل حصول نوع من التقارب بين بعض الدول الإقليمية يساهم الى حدٍّ ما في وضع تصوّر جامع ينتهي بانتخاب رئيس للجمهورية ويتجنّب معه لبنان الوقوع في فخ الفراغ، مع الإشارة الى أن غالبية سفراء الدول المعنية بالملف اللبناني أبلغوا المسؤولين اللبنانيين رغبة بلادهم في الوصول الى تفاهم على رئيس للجمهورية يحظى برضى كل الأطراف ولا يُغضب أي فريق علي الإطلاق.