بالرغم من الأجواء ومظاهر المعركة الرئاسية والساعات القليلة الفاصلة عن موعد افتتاح الجلسة الاولى المخصصة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، يكشف زوار عين التينة أن التمنيات وظاهر الأمور في واد والواقع في مكان آخر، وبالتالي فإن الحراك المتمحور حول الجولات التسويقية لا يعدو كونه زوبعة في فنجان سرعان ما ستزول مع تقدم الوقت باتجاه الفراغ، فصحيح أن الغرب يضغط بشكل غير مسبوق للانتهاء من الاستحقاق الأكبر، ولكن الأصح هو أنه لا الظروف الخارجية ولا الداخلية نضجت بالكامل، بل أن الخشية بدأت تتنامى من احتراق الطبخة الرئاسية في ظل غياب التوافق الخارجي الذي ينعكس عادة على الأجواء الداخلية ويؤسس إلى ما يشبه الضوء الأخضر أو كلمة السر.

في هذا السياق، يعتبر هؤلاء أن انعقاد الجلسة شيء وانتخاب رئيس جديد شيء آخر ومختلف، فتركيبة المجلس النيابي وشكل التحالفات القائمة داخله تمنع أي فريق سياسي من التفرد بالاستحقاق، بل على العكس تماماً فإن مجرد انعقاد الجلسة بحضور الثلثين هو التوافق بعينه، من دون أن يعني ذلك أن التوافق على انعقاد الجلسة يعني انسحابه على سائر المسارات الانتخابية أو حتى السياسية، فالاعتقاد السائد يؤشر إلى انعقاد الجلسة بنصاب كامل على أن ينفرط عقد النصاب في اعقاب الدورة الأولى، خصوصاً أن فريق الرابع عشر من آذار يدرك تماماً أنه غير قادر على ايصال رئيس، كما أنه لا يحبذ وصول رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ بالرغم من التأييد الكلامي غير المستند إلى معطيات سياسية متينة إنما من باب حرق الأسماء وكشف الأوراق.

في هذا الوقت، لا يستبعد هؤلاء أن تفرغ سدة الرئاسة لمدة شهر أو شهرين، أي بانتظار الانتهاء من ​الانتخابات الرئاسية​ السورية، على اعتبار أنها في رأس الأولويات الغربية، خلافاً للاستحقاق اللبناني الذي يأتي في المرتبة الثانية، فالقرار الأول والأخير هو خارج لبنان كما أنه تحول إلى ملف أكبر من المملكة العربية السعودية وايران، بل أنه يرقى إلى تفاهم أميركي روسي لا يبدو سهلاً.

ما يعزز هذا الاعتقاد هو أن فريق الرابع عشر من آذار، بكل ما يملك من امكانات، غير قادر على جمع مجلس النواب، باعتباره يضم 59 نائباً، بمن فيهم نواب طرابلس ونواب "الكتائب"، في وقت مطلوب فيه 86 نائباً لافتتاح الجلسة وإلى 65 صوتا للفوز في الدورة الثانية، والوضع لا يختلف على الاطلاق بالنسبة لفريق الثامن من آذار اذ أنه لن يستطيع أن يجمع أكثر من 57 صوتاً في أحسن الأحوال .

الخلاصة أن جلسة الاربعاء 23 آذار ستنعقد بنصاب كامل، ولكن لن يتمكن أي مرشح من الفوز بـ86 صوتاً، ما سيستدعي دورة ثانية لن يعقدها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في اليوم ذاته بل سيدعو إلى توافق على اعتبار أن أي من سيفوز سيحتاج إلى أصوات الفريق الآخر.

في الموازاة، يعتبر هؤلاء الزوار أن رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب ​وليد جنبلاط​، وبالاتفاق مع بري قطع الطريق بشكل نهائي على وصول جعجع إلى قصر بعبدا، كما دفع بفريق الرابع عشر من آذار إلى كشف أوراقه وحرق المراحل، في وقت ما زال يحتفظ فريق الثامن من أذار بأوراقه كاملة، في ظل عدم تسمية مرشح، من دون أن يعني ذلك أن عدد الأوراق البيضاء التي ستنزل في الصندوق الزجاجي لن يكون لها حساباتها السياسية والرقمية في الدورة الثانية التي قد تليها دورات كثيرة من دون الوصول إلى الخواتيم السعيدة.