ظهرت نتائج جلسة الأربعاء سريعاً. وفي هذا السياق يُمكن تسجيل ما يلي:

أوّلاً: رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ يخوض معركة إعلامية-سياسية مُنظّمة، لإثبات حضوره الفاعل على الساحة المسيحية بالدرجة الأولى، وضمن التركيبة السياسية اللبنانية بالدرجة الثانية. وهو يسعى من خلال الحصول على رقم نيابي مرتفع نسبياً، أن يفرض نفسه كمرشّح جدّي للرئاسة في المستقبل، وكطرف مُقرّر في الإنتخابات الحالية.

ثانياً: رئيس تكتّل "التغيير والإصلاح"، العماد ميشال عون، يُحاول عبر رفضه مواجهة ترشيح جعجع أو غيره، أن يحتفظ بالصفة التي يُحاول تسويق نفسه بها، وهي أنه ليس رئيس مواجهة، خاصة وأنّ أيّ معركة في هذا الصدد قد تحرق أوراق كل المشاركين فيها، بغض النظر عن حجم الأصوات التي سينالونها.

ثالثاً: قوى "8 آذار" ترغب من خلال المشاركة الكثيفة في جلسة الأربعاء توجيه رسالة قاسية لجعجع بأنّ عدد "الأوراق البيضاء" يفوق عدد الأصوات النيابية التي تُؤيّده. والأهم أنّ هذه القوى تريد عبر تأمينها النصاب القانوني للجلسة، أن يقوم الفريق الآخر بالمثل في الدورات المقبلة، أي عندما تجد أنّ الوقت مناسب للإعلان عن مرشّحها. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ فريق "8 آذار" يراهن على أنّ الوقت يَصبّ لصالحه، بمعنى أنّ تأخير الإنتخابات الرئاسية بضعة أشهر، سيسمح بتعزيز موقعه التفاوضي لفرض مُرشّحه، بعد أن يكون الرئيس السوري بشّار الأسد قد "مدّد رئاسته لولاية ثالثة"، وبعد أن تكون المُفاوضات الأميركية-الإيرانية قد حقّقت المزيد من التقدّم نحو التسوية الكبرى في المنطقة.

رابعاً: رئيس "جبهة النضال الوطني" ​وليد جنبلاط​، أراد من خلال ترشيح النائب ​هنري حلو​، التمايز عن فريقي "8 و14 آذار" من حيث الشكل. لكن عدم تصويته ومعه نوّاب "الجبهة" وكذلك نوّاب "اللقاء الديمقراطي" العائدين، لصالح جعجع أو بورقة بيضاء، يهدف فعلياً ومن حيث المضمون إلى قطع الطريق على العماد عون باكراً. صحيح أنّه يُقفل الطريق على جعجع في جلسة الأربعاء، لكنّ رئيس "القوات" كان يعلم من البداية أنّه حتى لو نجح في إستمالة تصويت رئيس "الحزب التقدّمي والإشتراكي" ونوّابه، فهو لن يستطيع أن يمون على أي فريق محسوب على "8 آذار" وتكتل "التغيير والاصلاح" للحفاظ على النصاب القانوني للجلسة. من هنا إنّ موقف جنبلاط يُصوّب على عون، الذي كان يراهن على أن يؤمّن فريق "14 آذار" النصاب القانوني، على أن تؤمّن أصوات كتلة "جنبلاط" الأغلبيّة المطلوبة للفوز بالرئاسة إعتباراً من الدورة الثانية من الإنتخابات. وبإعلان جنبلاط "أنّ ترشيح حلو ليس مناورة" يرفع سقف الأصوات التي يمون عليها – إذا جاز التعبير، علماً أنّ لهذه الأصوات أهمّية كبرى في ظلّ الإنقسام السياسي الحالي، لكنّ أهميتها الحاسمة تُصبح من دون أيّ فائدة في حال حصول إتفاق تسوية بين فريقي "8 و14 آذار"، بحيث لا يعود للفريق الوسطي أيّ قدرة على ترجيح كفّة فريق على آخر.

في الختام، الخلاصات واضحة: لا إتفاق تسوية بعد على الرغم من كل ما أشيع في الماضي القريب، ولا قدرة لأيّ من فريقي "8 أو 14 آذار" على فرض رئيس وحده، حيث أنّ الأصوات التي نالها جعجع وتلك البيضاء خير دليل على ذلك، ولا مجال لرئيس توافقي من خارج لائحة "الأقوياء" في المرحلة الحالية، كما يريد جنبلاط علناً، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي وغيره الكثير سِرّاً، ما يعني أنّ ولاية الرئيس ميشال سليمان ستنتهي من دون إنتخاب رئيس. والمُشكلة الأكبر من "الفراغ" الرئاسي المُنتظر، أنّ مصير المنصب الماروني الأّوّل لم يعد بيد المسيحيّين، بل المسلمين حيث أنّه مُعلّق بوعد التفاهم بين كتلة "تيار المستقبل" من جهة وكتلتي "حزب الله" وحركة "أمل". والأسوأ من ذلك، أنّ الإستهتار بحقوق الطائفة المسيحيّة مُجتمعة، بلغ حدّ إختيار مرشّح بإسم المسيحيّين وعنهم، هو نائب فاز بأغلبية تصويت درزيّة، ولا يُمثّل سوى جبهة يرأسها جنبلاط، بغض النظر عن الصفات الشخصيّة للنائب هنري حلو.