لا صوت يعلو على صوت المعركة الرئاسية التي يتهيب لها مجلس النواب ويستعد لها القادة المسيحيون رغم معرفة الجميع ان نتيجة الجولة الأولى الرئاسية لن تنتج رئيساً للجمهورية وان احتمالات المراوحة يمكن ان تمتد الى ما هو ابعد من الخامس والعشرين من شهر أيار المقبل، فالمؤكد ان القيادات السياسية ستشارك بقوة في استحقاق اليوم وسيحضر كل النواب حتى لا يتم تحميل احد مسؤولية تعطيل النصاب.

جلسة اليوم ستسير كما تقول اوساط سياسية وفق سيناريو الفيلم الذي اعد او تم تصويره مسبقاً، قوى 14 آذار مجتمعة ستمنح اصواتها لسمير جعجع فيما فريق 8 آذار يتجه الى المقاطعة ووليد جنبلاط الى الورقة البيضاء بعدما ابلغ الأخير النائبة ستريدا جعجع انه لا يزال يدرس خياراته وفي نهاية الجلسة يحصل جعجع من الصندوقة الزجاجية على رقم «لا بأس به» من الأصوات النيابية التي لا تخوله طبعاً ان يكون الرئيس القوي الموعود للمسيحيين، لكنه سيثبت انه استطاع ان يسجل «سكور» من الاجماع النيابي حوله وانه استطاع انتزاع تأييد كامل قوى 14 آذار وإحراق مراكب عون الرئاسية، ونهاية الجلسة المعدة مسبقاً هي في العودة الى البداية، ودخول البلاد مجدداً في دائرة المراوحة والعودة الى نقطة الانطلاق بانتظار الجولة الثانية التي ان لم تثمر سيحل الفراغ الذي يرجح ان يمتد حتى ايلول المقبل.

اهم ما ستكون خلصت اليه الجولة الأولى من المعركة الرئاسية ان القرار الإقليمي لم ينضج بعد بحسب المصادر وان الاستحقاق الرئاسي لا يزال مرتبطاً بمجرى الأحداث الدولية، اما داخلياً فالواضح ان سعد الحريري قرر المواجهة الى جانب جعجع ووضع حداً للتساؤلات التي رافقت الاستعداد للانتخابات والتي تحدثت عن انقلاب المستقبل على حلفائه السابقين وان رئيس الحكومة السابق يسعى من خلال انقتاحه على الرابية الى تكريس معادلة «عون في بعبدا والحريري في السراي، فما توضح من الأمور يؤكد ان الحريري لم يحسم خياراته الى جانب الرابية وان المملكة العربية السعودية التي يتوقع ان يزورها قريباً وزير الخارجية جبران باسيل لم تومىء رأسها بالموافقة بعد على الجنرال رئيساً.

لكن هل تعني خلاصة عدم مشاركة المستقبل في المعركة لمصلحة الرابية عودة التفاهم الذي قام الى نقطة الصفر وسقوطه بين الرابية والمستقبل؟ يؤكد العارفون في هذا المحور ان الجنرال بقي طويلاً ينتظر جواب الحريري حول دعمه له في معركة الرئاسة وما إذا كان التناغم الذي نشأ بينهما منذ اللقاء الباريسي وعززه التواصل بين العونيين والمستقبل داخلياً في الاستحقاقات التي جرت سيثمر تحت قبة البرلمان، وكان واضحاً ان الحريري لحراجة الموقف وبهدف إجراء المزيد من الاتصالات وبانتظار الضوء الإقليمي احتفظ بأوراقه الى اللحظات الأخيرة، لكن هذا الاصطفاف الى جانب حليف الأمس لا يعني وفق اوساط مطلعة ان عون تلقى طعنة غدر من الحريري بسحب كرسي الرئاسة الأولى من الجنرال «، او ان مصير العلاقة المستجدة والناشئة بين التيار الوطني الحر والمستقبل ستعود الى نقطة الصفر والى المربع الأول الذي خرجت منه مؤخراً. فالعلاقة سارت جيداً في ملف التعيينات وسلسة الرتب والرواتب. والواضح جداً ان الحريري يبني سياسته الحالية بالتنسيق مع الداخل وبالدعم الخارجي الذي يتلقاه والذي يستند اليه في مواقفه الاستراتيجية حيث لا يمكن له القفز فوق رغبة وإرادة السعودية، والى حين ينضج القرار او التوجه الإقليمي الذي يبدو واضحاً انه لم ينضج بعد، فان زعيم المستقبل يبدي حرصاً على عدم زعزعة جسور التواصل وهدمها مع الرابية وهي التي انتجت حكومة وسلة من التفاهمات مع الرابية، ولكنه في المقابل حريص على علاقته مع معراب التي لم تخطىء مع المستقبل او سعد الحريري شخصياً منذ انطلاقة ثورة الأرز، وكانت القوات تدفع دائماً من رصيدها المسيحي كما حصل مع القانون الأرثوذكسي لإرضاء الحليف الأزرق، كما ان الأمور لم تنضج بعد ليصبح الحريري جاهزاً للتفريط بما انتجته ثورة الأرز.

باختصار تقول مصادر في «المستقبل» ان الحريري يدرك ان فرص كل من عون وجعجع هي شبه معدومة، وهو يحاول قدر الإمكان الحفاظ على التوازن في العلاقة بحيث لا «يطير» تفاهمه مع الرابية ولا يغضب معراب ويخسر التحالف معها، وتبقى الأمور في كل الأحوال بانتظار ما قد يطرأ من منعطفات ومنحنيات إقليمية قد تغير في المعادلة الراهنة.