هل يخسر التكفيريون الإلغائيون الحرب في سورية ويربحونها في لبنان؟ هكذا يظن سمير جعجع وجماعة "ثورة الأرز".

صحيح أن بعض الظن إثم، لكن جعجع في الحقيقة سعى للحصول على تأييد خمسين صوتاً من النواب في الدورة الأولى، ويحلم بخمسة وستين توصله إلى قصر بعبدا.

لم يتعلم جعجع من تجاربه السابقة التي جعلته إما موضع ذمّ باعتباره قاتلاً موصوفاً لشخصيات لبنانية معروفة، وإما موضع تندّر باعتباره صاحب أكثر التنبؤات والوعود التي لا تتحقق.

لو نظرنا إلى تاريخ "المرشح الرئاسي" سمير جعجع لوجدناه تاريخاً إلغائياً، لأنه قتل كل من خالفه الرأي في مسيرته الحربية، وعزل كل من شك في ولائه السياسي، فكفّره في عقيدته واستبعده عن حزبه، وهذا حال معظم رفاق درب جعجع.

إذاً، هي حرب واحدة يشنها التكفيريون في لبنان وسورية ضد كل من يخالف الإرادة الأميركية ويهدد أمن "إسرائيل".. ألم يتلقَّ جعجع وقواته تدريباتهم لدى العدو "الإسرائيلي"، وسار تكفيريو سورية على نهجه، وها هو العدو يخرّج لهم قادتهم ويداوي جرحاهم ويسلح عصاباتهم؟ لكن جعجع معجب بتجربة قائده بشير الجميّل، ويصرّ على إعادة تكرارها.

بشير الجميّل، على هامش حربه "ضد الفلسطينيين والسوريين"، ارتكب مجازر شنيعة بحق حلفائه الشمعونيين في الصفرا وعين الرمانة وغيرهما، وأرسل سمير جعجع ليقتل طوني فرنجية في إهدن، ووحّد "البندقية المسيحية" وقدّم نفسه إلى الرئاسة من دون منازع، بعد أن رتّب أموره مع الأميركيين والسعوديين و"الإسرائيليين".

لا ينسى اللبنانيون لبشير قوله: "لا نريد كلما ظهر عبد الناصر جديد أو خميني جديد أن تحدث حرب أهلية في لبنان".. أراد الجميّل حسم الصراع الداخلي على قاعدة التحالف مع العدو "الإسرائيلي"، ومارس مؤيدوه كل ألاعيب الانتخابات ليجمعوا له أصوات معظم النواب، لكنه لم يصل إلى قصر بعبدا.

جعجع يظن أن أمامه فرصة لا تعوَّض: عبيد أميركا يموّلون ويسلّحون عصابات تقاتل داخل أسوار دمشق، لكن ظنه خاب، لأن سورية هزمت دوماً كل الحاقدين، فكيف وهي تحاربهم ومعها "جنود الله" الذين هزموا "الإسرائيلي" في 2006 وما زالوا له بالمرصاد؟

لا تقتصر مشكلة الحسابات الخاطئة على جعجع لوحده، فخلفه يسير "تيار المستقبل"، و"التيار" هنا مجرد تابع وليس قائداً، لأنه من جهة التزم تعليمات المعزول بندر بن سلطان، الذي كان يسعى لإيصال جعجع إلى بعبدا، علماً أن تبعيّته ليست جديدة.. ألم يقل جعجع عام 2005 إنه لم يلتحق بأحد، بل الآخرون التحقوا به؟ وعندما يقترع نواب "المستقبل" لجعجع ينسون أن أمامهم مهمة "جليلة" أخرى، هي البحث عن قاتل رفيق الحريري وإقامة نُصُب له، لأن الرسالة التي يوجّهها "المستقبل" عبر انتخابه قاتل الرئيس الشهيد رشيد كرامي، هي أنه يمجّد القتلة ويسير خلفهم، من دون أن تبرر له فعلته حقيقة أن اللبنانيين في الظرف القائم عاجزون عن التوافق على انتخاب رئيس لجمهوريتهم.

لن يفوز جعجع، لأن معركة الأمس كانت لحرق واستهلاك أسماء المرشحين، لكن "الكباش" الرئاسي سيستمرّ ما دام هناك من يستمع لأوامر الخارج بإعلان الحرب على المقاومة وسورية، أو من يدّعي الحياد على قاعدة "الصداقة" مع العدو الصهيوني، ويصبح ترئيس مثل هؤلاء تسليماً للبنان إلى جبهة الحرب على سورية، وإلى فلول المعارضة السورية ومؤيديها، في حين أن رياح الميدان تفيد بأن الحرب على المشروع الصهيوني - التكفيري في أوجها، وسورية الأسد والمقاومة في مقدمة الركب.

ولمن لم يستوعب بعد حقيقة المشهد، عليه الاستماع إلى نصيحة السفير الروسي ألكسندر زاسبكين في دعوته "إلى أن يوطّد الرئيس الجديد العلاقات مع دول الجوار، لا سيما سورية، لناحية مكافحة الإرهاب وضبط الحدود بين البلدين"، وهذه المهمة بالتأكيد ليس أهلاً لها الطامعون بالرئاسة من صبيان جيفري فيلتمان وأمثاله، والأهم أن المقاومة قالت كلمتها في وجه هؤلاء: من يقف ضد المقاومة يسقط.. وسيسقط.. وبالتالي لا رئيس يعادي المقاومة وسورية.