قبل أن ينسحب فريق 8 آذار من جلسة الانتخابات الرئاسيّة لضمان عدم توفّر النصاب لدورةٍ ثانية مستعجلة كان بعض نوابه يحاولون إيجاد التوصيف الملائم الذي يقنعهم ويقنع قواعدهم بما حصل داخل القاعة. هي الحالة نفسها التي عاشها جعجع من معراب وزوجته من البرلمان، قبل أن ينضمّ الى نادي الحائرين أبناء تيار “المستقبل” المنقسمين بين الالتزام البيروتي بالشريك القواتي والمشاعر الطرابلسيّة التي يستفزها الشريك القواتي.

لم يكن أمام قوى 8 آذار أكثر من خياريْن: إما أن تكون على ألسنتها حكاية “مهزلة” تبدأ بترشّح شخصٍ “تاريخه عدوّه” وتصل الى نيله 48 صوتاً وهو رقمٌ قد يكون مرتفعاً في “بوانتاجات” 8 آذار إذا ما قيس على معدّل استفزازيّة الشخصية المرشّحة، وإما أن تلعب على وتر الاستخفاف بالنتيجة “المتواضعة” التي حصل عليها جعجع بأصواتٍ أكثريتها سنيّة لا مارونية أو حتى مسيحيّة. الموقفان “يبيعان” بالنسبة الى جمهور 8 آذار خصوصًا البرتقالي منه، فعلى ما تشير مصادر هذا الفريق لـ”​صدى البلد​” جعجع “جرّص” نفسه بهذه النتيجة وأحرج قاعدته بأسماء شهداء ترامت على مسمعه، وليس الإفلاس في ذكر تلك الأسماء بل في عدد الأصوات التي حصل عليه جعجع أمام تقدّم واضحٍ وصريح للأوراق البيض”.

للتهوين...

لم تكن الحال أفضل في فريق 14 آذار الذي خرج بقراءاتٍ شبه متباينة. فمعراب هي الأخرى لا تعرف ماذا تقول. إنه انتصارٌ للديمقراطية في نظرها ولو كانت حكاية الوصول الى عتبة الخمسين صوتاً خذلتها. يريد أبناء معراب أن يعرفوا من هما الصوتان اللذان أسقطا حساباتهم الدقيقة التي دفعت بالنائب ستريدا الى تأكيد حصول زوجها على 50 صوتاً على الأقل قبل ساعات من الجلسة. لا يقرأها القواتيون على أنها سقوطٌ لحكيمهم أمام سُلطة الورقة البيضاء بل “فوزٌ على من لم يجرؤ على إعلان ترشّحه في وجهه وآثر الاختباء وراء ورقة بيضاء”. هي قراءةٌ تهوينيّة لمعراب وقواعدها. قراءةٌ تبتعد قدر المُستطاع عن اللعبة الرقمية الخاسرة لتكتفي بالإضاءة على أهمية ما حصل وما شهده البرلمان من نصابٍ لم يتوفر يومًا بهذا الزخم (124 نائباً) ولتعيد نغمة المضي في هذه المعركة حتى الرمق الأخير”.

سندرس الموضوع...

فيما انصرف فريق 8 آذار لرسم سيناريو الدورة الثانية بعد أسبوع، وفيما مضى القواتيون في تحليلاتهم التصويتيّة وحساباتهم المستقبلية، خلد نواب “المستقبل” الى أسرّتهم بلا أجوبة واضحة عما ستنطق به شفاههم بعد أسبوع. جلّ ما فعلوه أنهم اتفقوا على توحيد كلمتهم: “سندرس استمرارنا في دعمنا لجعجع أو عدمه ونحسم الأمر نهائياً خلال الساعات المقبلة”. أما في قراءتها لنتيجة التصويت فتكتفي مصادر “المستقبل” بالإشارة الى أن “ما حصل يعبّر عن وحدة قرار 14 آذار مع تفهّمنا لموقف زملائنا في طرابلس ونأمل أن تبقى هذه الوحدة قائمة وصولاً الى انتخاب الرئيس المنتظر”... ببساطةٍ تشي تلك “الكليشيه” المتفق عليها بأن القرار لم يأتِ بعد من باريس وبأن التيار الأزرق يعوّل على تسويةٍ ما تُخرِجه من مأزق دعم جعجع من جهة ومحاكاة طموحات جميع المرشّحين من حلفائه من جهةٍ أخرى. يعلم “المستقبليون” أن هذه النعمة لن تدوم لهم وأن روبير غانم وبطرس حرب وأمين الجميّل لن يبيعوها “بالرخص” لسمير جعجع وبأنهم يتجهون الى إعلان ترشيحهم جدياً بعد فضّ “تمثيليّة” الكلمة الواحدة حفاظاً على ماء الوجه. وهو ما يجول تحديداً في الكواليس الكتائبيّة التي علمت “صدى البلد” أن محركاتها ستنطلق بعد ساعاتٍ لتسويق ترشيح الرئيس أمين الجميل في سياقٍ وتوقيتٍ مناسبيْن خصوصًا بعدما رمى أحدهم اسمه كبالون اختبار في صندوق التصويت أمس.

رقمياً...

حسابياً، وبعيداً من قراءات كلّ فريق، نال جعجع على الورقة والقلم 48 صوتاً أي دون المتوقع في نظره وأكثر من المتوقع في نظر خصومه، بمعنى آخر حصد “الحكيم” أكثر من الثلث بخمسة أصواتٍ وفصلته عن الثلثيْن 38 صوتاً و17 صوتاً عن النصف+1. وكان الفوز أقرب الى الورقة البيضاء التي بقيت بعيدة عن الثلثيْن بفارق 32 صوتاً وعن النصف+1 بفارق 13 صوتاً. أما هنري الحلو، المرشّح الجنبلاطي الشرفي، فبقي بعيداً عن جعجع والورقة البيضاء ولكن أقرب من أمين الجميل غير المرشح حتى الساعة ومن أسماء شهداء كان دورها استفزاز معراب رداً على استفزاز الأخيرة لشريحة كبيرة من اللبنانيين بترشّح سيّدها الذي تسمّر خلف الشاشة من مقرّ إقامته مراقباً وجامعاً وطارحاً ثمّ محتسباً غلّة الدورة الثانية التصاعدية أو التنازلية.