شكراً للديمقراطية لأنَّها جَعَلَتِ اللبنانيين يستخدمون الأوراقَ والأصوات بدل القذائف والرصاص.

شكراً للدستور اللبناني لأنَّه يُتيحُ تداولَ السلطةِ بأسلوبٍ سلسٍ لا إنقلاب فيه ولا إنتفاضات.

شكراً ل14 آذار لأنَّها أثبتت أنَّها متمسكةٌ بالديمقراطية وبالدستور، على رغم كلِّ ما واجهها وما تعرَّضت له قياداتها من ممارسات لا تمتُّ إلى الديمقراطية بصلة.

شكراً للكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لأنَّه ولولاه لَما كانت جلسةُ أمس قد عُقِدَت.

شكراً للبنانيين لأنَّه لولا صبرهم وثباتهم لَما كان للديمقراطية أن تَثْبُتَ وتصمد.

أما بعد، فمن هنا إلى أين؟

وما هي الدروسُ والعِبَر التي يُمكن إستخلاصها؟

العبرةُ الأولى أنَّ قوى 14 آذار تهتزُّ ولكنَّها لا تقع، تتعرَّضُ لإختباراتٍ عديدةٍ لكنَّها تنجحُ في الإختبار، تكثرُ المراهنات على إنفراطِ عقدها لكنَّها تُثبتُ أنَّها أقوى من المراهنات.

لكنَّ هذا الثباتَ لم يأتِ من فراغٍ بل من الإعتبارات التالية:

الإعتبارُ الأوّلُ وعيُ قياداتها وفي طليعتهم الرئيس سعد الحريري، الذي يُثبت يوماً بعد يوم أنَّه يعطي الأولوية للمصلحة الوطنية قبل أيِّ شيء آخر، هو يعرف أنَّ الإستحقاقَ الرئاسيَّ هو محطة في مسار، فلا يجب التوقّف عند المحطة لتعطيل المسار.

الإعتبارُ الثاني أنَّ جماهير 14 آذار واعيةٌ بدورها لمسؤولية قياداتها، لذا فهي لا تخذلهم ولا تقف حجر عثرة في وجه مسارهم.

العبرةُ الثانية مما جرى أمس، أنَّ لبنان عريقٌ بديمقراطيته على رغم نصفِ قرنٍ من الحروب المتتالية والمتعاقبة التي مرَّت عليه، صحيحٌ أنَّها ديمقراطيةٌ تتعرَّض لإنتكاسات ولكنَّها ليست ديمقراطيةً هشَّة، فكما قال أحدهم إنَّ الأخطاءَ في ممارسة الديمقراطية لا تُصحَّح إلا بالإصرار على ممارستها وليس تعليقها.

العبرةُ الثالثة أنَّه بالأمكان إنتخاب رئيس صُنِع في لبنان، ترشيحاً وإقتراعاً، فليس صحيحاً أنَّ ثقافةَ كلمة السرّ والوحي والباراشوت هي وحدها السائدة في الحياة السياسية اللبنانية، بل إنَّ النظام اللبناني قادرٌ على أن يتطوّر.

جلسةُ الأربعاء أمس صارت وراءنا، وجلسةُ الأربعاء المقبل أمامنا، فإلى أين المفرّ بالنسبةِ إلى النواب؟

لا مفرّ، وإذا كان من كلمة تُقالُ في هذه المناسبة فهي أنَّ المعركةَ الجدّية بدأت منذ لحظة إعلان الرئيس بري موعد الأربعاء المقبل، فالمعركة بدأت تتبلورُ معالمها:

الأوراقُ البيضاء عددُها إثنتان وخمسون.

الدكتور جعجع نال ثمانيةً وأربعين صوتاً.

النتيجةُ الأولى أنَّ هناك تقارباً حيث أنَّ الفارقَ هو أربعةُ أصوات، وعليه فإنَّ المعركة المقبلة تحتاج إلى ثلاثة عشر صوتاً بالنسبة إلى الأوراق البيضاء، فيما يحتاج الدكتور جعجع إلى سبعة عشر صوتاً.

إذاً عنصرُ المفاجأة لم ينتفِ، فأيُّ تسويةٍ مع الوسطيين أو المنفردين يمكن أن توصِل إلى إنتخاب رئيس.

ولكن بعيداً من الدستور ومن الحسابات الرقمية، هناك مؤشر أكيد على أنَّ الإنتخابات ستؤدّي إلى ولادة رئيس:

حين يكون الرئيس سعد الحريري في قاعة مجلس النواب فهذا يعني أنَّ الولادة ستكون في تلك الجلسة، قبل ذلك سيُكثِر الرئيس برّي من تحديد الجلسات والدورات، وستبقى صندوقةُ الإقتراع تجولُ على النواب الذين سيبقون يقبضون رواتبهم طالما هُم في المجلس، وسيبقى الشعبُ اللبناني يتفرَّج على إنتخاباته عبر الشاشات في الوطن والمهجر إلى أن يَلْفُظَ الرئيس برّي إسمَ الرئيسِ الجديد.