رحلة الصعود الى قصر بعبدا، والنزول من القصر، شبيهة بالصعود من الأرض للنزول على القمر، فيتضارب المعنى بين ما هو صعود أو هو نزول.

والمتعارف في عهود الرؤساء، أن عملية النزول من قَمَر القصر تتوافق مع السنتين الأخيرتين من عمر الولاية، حين يبدأ شبْهُ الظل بالسيطرة على البدر، وحده الرئيس ميشال سليمان أنقذ قمَرَهُ من الخسوف، عملاً بالقاعدة المأثورة «طالب الولاية لا يولّى».

كل الرؤساء منذ الإستقلال دونما استثناء، صعدوا الى القصر فلم ينزلوا إلّا هبوطاً، ومنهم مَنْ التصقت جلودهم المترهِّلة بالكرسي بفعل مغناطيسية الكرسي.

رئيسان فقط كان نزولهما صعوداً الى قصر ربِّك الأعلى هما: بشير الجميل ورينه معوّض.

- الرئيس بشارة الخوري: مع أنه كان رئيس دولة الإستقلال إلّا أن تفاحة حواء أنزلته من فردوس بعبدا في النصف الثاني من ولايته الثانية، وودّع بانقلاب.

- والرئيس كميل شمعون: تذرّع الذين انقلبوا عليه في ثورة 1958 بأنه لم يقل «لا للتمديد»، ولأن كلمة «لا» عند الرئيس شمعون تعني الرضوخ الإستسلامي، فقد أباها وودّع بثورة.

- والرئيس فؤاد شهاب: الزاهد بمتاع هذه الدنيا، حاول، وجرّب فتهيّب، ومع أنه صاحب الإنجازات الكبرى في بناء الدولة العصرية، فقد ودِّع بانتفاضة، وقلبوا شخص سيدة حريصا في وجهه.

- الرئيس شارل حلو: إصطدمت طموحاته بأزمة اتفاق القاهرة وودِّع بانقلاب الثورة الفلسطينية على الدولة اللبنانية.

- والرئيس سليمان فرنجية: إنتهى عهده بسقوط الدولة، وودَّع قصر بعبدا مهجراً الى قصر الكفور.

- الرئيس الياس سركيس: إنتهى عهده من حيث ابتدأ مع قوات السلام العربية وقوات الردع السورية وجحافل الميليشيات اللبنانية.

- الرئيس أمين الجميل: كان حكمه مقتصراً على قصر بعبدا بحصار إسرائيلي - سوري، وانتهى من قصر بعبدا مرحَّلاً الى باريس بإرهاب تكفيري قوَّاتي.

- حكومة ميشال عون الرئاسية: إنتهت بطيران يقصف القصر الجمهوري، وطيران يحمل الرئيس المنفي الى جزيرة فرنسية، تيمُّنا بنابوليون الذي نفي ذات يوم الى جزيرة «ألبا» (Elba) الإيطالية.

- الرئيس الياس الهرواي، والرئيس إميل لحود: مُدِّدتْ لهما الإقامة في منفى جزيرة قصر بعبدا التي لم يخفق فيها العلم اللبناني، بقدر ما كان فوق الأرزة نسر.

إنها مشكلة رؤساء الجمهورية وفريضة المعنى اللغوي لكلمة «دولة» والتي يفسّرها معجم لسان العرب بـ»دال يدول دولاً»... أي تحوَّلَ وتبدَّل وهذا يعني دستورياً «تداول السلطة». وهي فريضة الرؤساء الذين «يجيء بهم الأجنبي فيذهب بهم الشعب».... على ما أعلنه الزعيم كمال جنبلاط في جريدة الأنباء مع بداية الثورة لإسقاط بشارة الخوري في 30 أيار 1952.

وما لم يأتِ الشعب وليس الأجنبي بالرؤساء، فقد يظل صعودهم الى القصر نزولاً، وشروقهم غروباً، وتظل الرئاسة تدفع ضريبة غروب الشمس.