في الوقت الذي تخضع فيه جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي حصلت الأربعاء الفائت الى تقييم وقراءة متأنية كونها التجربة الأولى التي تُخاض بعيداً عن الإستعانة بأي صديق، أو تلقّي أي كلمة سر لا على المستوى الإقليمي أو الدولي، فإن الأنظار تتجه الى الدورة الثانية المقرّرة الأربعاء المقبل من دون أن تبرز في الأفق أي معطيات بأن هذه الجولة ستأتي برئيس جديد للبلاد أو أقلّه سيكتمل فيها النصاب باعتبار أن مختلف الأفرقاء باتت أوراقها مكشوفة، وأنه لم يطرأ أي جديد من شأنه أن يُزيل أو يُخفّف من وطأة الإنشطار الموجود بين هذه الأفرقاء بالشكل الذي يحول دون الركون إلى قاعدة التفاهم التي تُعتبر ممراً إلزامياً للبنانيين لخوض أي استحقاق أو مقاربة أي ملف.

ومن خلال الثلاثية التي تكرّست في جلسة الإنتخاب الأولى، أي 8 و14 آذار والوسطيين، فإنه بات من المؤكد أن أي فريق لا يستطيع بأصواته لوحده أن ينتخب رئيس للجمهورية وأنه يحتاج إلى أصوات الفريق الآخر، وما دامت المعادلة أصبحت على هذا الشكل فإن البلد بات أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الذهاب الى تسوية تأتي برئيس بأصوات من مختلف الأطراف، أو الفراغ المُكلِف، وما دامت الأفاق مقفلة على أي حل فإن جلسة الأربعاء ستجرّ وراءها جلسات وجلسات وأن الرئيس ميشال سليمان قد يُغادر قصر بعبدا في الخامس والعشرين من أيار المقبل من دون أن يجد أمامه خَلَفَهُ ليسلّمه مفاتيح القصر، بل إن هذه المغادرة ربما تكون أشبه بمغادرة الرئيس إميل لحود مقاليد الحكم حيث إستوطن محلّه الفراغ على مدى سبعة أشهر إنتهت بحصول مؤتمر الدوحة الذي أفضى الى تسوية جاءت بالرئيس سليمان بإرادة إقليمية ومباركة دولية.

وتجزم أوساط سياسية بأن النصاب لن يكتمل في جلسة الأربعاء وهي تسأل «شو عدا ما بدا» حتى تلتئم هذه الجلسة ما دامت المناخات الإقليمية والدولية على حالها، وما دامت الحركة الداخلية من دون بركة، حيث لم يسجّل على مدى الأيام الثلاثة التي أعقبت الجلسة الأولى أي تواصل من العيار السياسي الثقيل باستثناء اللقاء الذي جمع الرئيس نبيه بري والبطريرك بشارة الراعي حيث كان الاستحقاق الرئاسي ثالثهما من دون أن تبرز أي مؤشرات توحي بإمكانية حصول خرق في جدار هذه الأزمة تؤدي الى تعبيد الطريق أمام الرئيس الجديد من ساحة النجمة الى بعبدا.

وتلفت الأوساط النظر الى أنه من العبث الرهان على حصول تفاهمات داخلية توصل الى تسوية تضمن وصول هذا المرشح أو ذاك ما دامت جسور التواصل الإقليمية التي يتفرّع منها لبنان مقطوعة، وهي ترى أن الأمور ذاهبة الى الفراغ لأسابيع وربما لأشهر ريثما تكون لعبة «البازل» الإقليمية والدولية قد اتضحت بالشكل التي تجعل الرؤية في لبنان واضحة.

وفي اعتقاد هذه الاوساط ان المسؤولين في لبنان قدموا اقصى ما يستطيعون في مسألة الانتخابات الرئاسية بأن نجحوا في تأمين النصاب للجلسة الاولى بحيث ان مقاربة الاستحقاق تمت ضمن المهلة الدستورية ويُعد ذلك في ظل الانقسام السياسي الموجود انجازاً كبيراً بالنسبة للداخل والخارج، اما ما تبقى من خطوات فلا يبدو انه سيكون باستطاعة القوى السياسية استكمالها وهنا لن يكون هناك من مناص اذا اردنا تجنب الفراغ والدخول في متاهات توصل الى ازمة سياسية او ازمة حكم، الا اقتناص اي تطور ايجابي يطرأ على المشهد الاقليمي بحيث نذهب الى هذه الانتخابات مظللين بمظلة اقليمية تحمي الجلسة العامة من تطير النصاب وبالتالي انتخاب رئيس جديد للبلاد.

وتنبه الاوساط الى مسألة اساسية ربما تؤدي الى ابقاء الملفات اللبنانية تدور في حلقة مفرغة لأشهر قادمة وهي زحمة الاستحقاقات الموجودة في المنطقة وابرزها الانتخابات المرتقبة في مصر والعراق وكذلك في سوريا في ضوء فتح باب الترشح، حيث ان هذه الاستحقاقات بالنسبة لدول القرار اولوية اكثر في هذا الظرف من لبنان، وهي لذلك تقفل نوافذها المطلة على هذا البلد الى حين معرفة اتجاه رياح هذه الاستحقاقات لكي تبني على الشيء مقتضاه.

وانطلاقاً من هذا المشهد الذي لا يحوي اية مساحة امل في الوصول الى انتاج رئيس قريب للجمهورية فإن الاوساط السياسية ترى ضرورة الابقاء على حال الاستقرار الامني موجودة، لا بل تؤكد على اهمية تطوير الخطة الامنية لتصبح اشمل واشد حزماً، في مقابل الانصراف الى معالجة الاوضاع المعيشية والاجتماعية، والذهاب في اتجاه استكمال ملء الشواغر في الادارات والمؤسسات العامة من خلال تعيينات الفئة الاولى بالتوازي مع قيام الوزراء الى ملء الشواغر في باقي الفئات وضخ دم جديد في الادارة التي بلغت حداً من الترهل لم يعد يحتمل.

وتدعو الاوساط الى التعايش مع واقع المراوحة لبضعة اشهر والحفاظ على «الستاتيكو» الحالي الى حين انقشاع الرؤية الاقليمية والدولية لكي يعرف لبنان على أي وسادة يضع رأسه.