هي زيارة “ردّ الإجر”... سيد الصرح الماروني ممتنٌّ لدعوة سيد عين التينة ولكن لا يهون عليه أن يُقال أن الجلسة عُقِدت كرمى عينيْه أو إرضاءً له. فالهاجس الرئاسي الذي تعايشه بكركي اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى أكبر من إرضاء كاردينال ديناميكي على خطّ إتمام الاستحقاق في موعده...إنه مصير بلد وموقع وطائفة.

هي لياقات بكركي التي دفعت سيّدها الى زيارة عين التينة قبيل مغادرته الى الفاتيكان. لياقاتٌ رسمت صورةً لزيارةٍ وصفها الكثيرون بـ”التاريخيّة” وأراد البطريرك منها في العلن أن يشكر الرئيس برّي على إطلاق قطار الجلسات الانتخابيّة وفي البواطن أن يضغط عليه بإيداعه أمانة الاستحقاق في غيابه وبممارسة سياسة “المطرقة” عليه وعلى الجميع عشيّة دورةٍ ثانيةٍ وضع الراعي الفترة التي تفصل بينها وبين سابقتها في خانة “التشاور”... لياقاتٌ ما كان غيابُها ليفرض على الراعي زيارةً مماثلة خصوصًا أن من واجب برّي أن يدعو الى جلسةٍ مماثلة، ولكن البطريرك أرادها زيارة شكرٍ وإلحاح على ما تؤكد مصادر كنسيّة متابعة لـ”صدى البلد”.

ليس حقل اختبار

ليس الراعي في وارد تسمية ما حصل في جلسة الأربعاء الماضي بـ”البروفا”، فموقع الرئاسة أكبر من أن يكون حقل اختبار يُتلاعَب به. الراعي قال الكثير في تلك الجلسة المغلقة وخرج ليقول أكثر أمام العدسات وإن لم يخرج ما قاله عن إطار المواقف والثوابت المُكرّرة والمحفورة في دفاتر الصرح كما في نفوس المصغين و”المطنّشين”. وتشدد المصادر عبر “صدى البلد” على أن “زيارة البطريرك للرئيس برّي تهدف في الدرجة الأولى الى توجيه شكرٍ لبري على الاستجابة لهواجس بكركي من خلال دعوته الى جلسةٍ انتخابية، خصوصًا أن سيّدنا يصرّ على عدم تأجيل الأمور الى ما قبل الاستحقاق بأيام، بل من المهمّ أن تتمّ بلورة الصورة والتوافق على مرشح قوي يستمدّ قوّته من قدرته على لمّ شمل الجميع والتعاطي معهم على أساس الشراكة”.

ولمَ الإحراج؟

هل وضع الراعي أمانةً رئاسيّة واضحة ومقروءة ومفهومة في عنق بري؟ تجيب المصادر: “حتمًا فعل ذلك. فهدف الزيارة ليس الشكر فحسب بل الإلحاح عليه للمضي في آلية انتخاب الرئيس واعتبار ذلك بمثابة أمانة. وهذه الزيارة حمّلت الرئيس برّي مسؤولية أكبر ورفعت من أهمية دوره”. هل هي سياسة إحراجيّة اعتمدتها بكركي؟ تتلقف المصادر: “يُمكِن أن تُفهَم على هذا النحو ولكن في الحقيقة ليس على الرئيس برّي أن يكون مُحرجاً في هذا الموضوع لأن من واجبه كرئيس مجلس أن يستغل الوزنات الموضوعة بين يديه ليدعو الى انتخاب رئيسٍ للبلاد. وعدا ذلك، يمكن التعويل على حنكة بري وتجربته السياسيّة وانفتاحه على الجميع ليكون لاعباً مؤثراً في هذا المجال”.

من واجبه أن يقتنع

ولكن إذا كان الرئيس برّي دعا الى الجلسة لإرضاء الراعي فقط ففي ذلك مؤشرٌ الى أنه مقتنع بأنه لن يكون هناك رئيسٌ للبلاد وبالتالي هدف الدعوة عدم الكسر في خاطر بكركي؟ تعلق المصادر: “على الرئيس برّي أن يكون مقتنعاً بضرورة انتخاب رئيس ضمن المهل الدستورية لا بل من واجبه أن يقتنع بذلك كرئيس مجلس. ربما أراد بري أن يؤخر الدعوة الى حين اختمار الطبخة الرئاسيّة التوافقية ولكنه قرر الاستجابة لإصرار بكركي على وضع الانتخابات على السكّة الصحيحة وبالفعل تجاوزنا مرحلة أولى بلا تعطيل”. لا تخفي بكركي تعويلها على دورٍ ما لمايسترو الاستحقاقات الكبرى، وليست زيارة الراعي التاريخية غير المسبوقة من حيث مشهدية الزائر والمضيف والتوقيت والمواقف سوى شاهد على هواجس تؤرق الصرح. لن “يهرب” الراعي كما يحلو لبعضهم القول ركوناً الى زيارتيْه المتتاليتين الى الفاتيكان وفرنسا بل هما زيارتان مرسومتان سلفاً في أجندة الصرح، وبالتالي ستبقى بكركي “على رؤوس” المتلكئين تحمّلهم مسؤولياتهم أمام الله والتاريخ. فالصرح لا يمثّل في السياسة ولا يهدف الى إرضاء أحد، جلّ ما في الأمر أن البطريرك مقتنعٌ بأنه لا يجوز تفويت هذه الفرصة لانتخاب رئيس جديد، ولهذا السبب لا ينتظر الراعي تلقي بلاغاتٍ ومعلوماتٍ وأوامر بل يتحرّك بنفسه على خطّ إتمام الاستحقاق وهو أمرٌ غير مسبوقٌ في تاريخ الكنيسة الحديث”.

... وصام بري

لم ينطق بري بحرفٍ. هو هكذا، يصوم في زمن المفاصل. لم يقطع رئيس البرلمان على البطريرك وعداً بأن تلمح عيناه رئيساً جديداً في بعبدا فجر الخامس والعشرين من أيار المقبل، لم يعده إلا بالبديهيات التي يقوى عليها راهناً وأبرزها المضي في عقد الدورات وتسريع وتيرتها وتقريب المسافات الزمنية بينها على ما علمت “صدى البلد”، ناهيك عن تأديته دوراً محورياً على مستوى تأمين النصاب غير المؤكّد حتى الساعة في الدورة الثانية ومحاولة تقريب وجهات النظر للتوصّل الى رئيس توافقي في أقربٍ فرصةً سانحة.

رسالة...

قبل أن يصل الى المطار، ولدى خروجه من أبواب عين التينة، صلّى الراعي في سرّه وتمنى أن تكون رسالته قد وصلت. هي نفسها تلك الصلاة التي سيكررها الكاردينال في الفاتيكان على مسامع البابا الحاضر-الغائب يوحنا بولس الثاني خلال تقديسه بعد ساعاتٍ. صلاة ليفهم النواب تفاصيل الرسالة ولينتخبوا رئيساً لـ “بلد الرسالة”.