ما إن انتهت الجولة الأولى من سلسلة الجولات المرتقبة لانتخاب رئيس جديد للبلاد حتى انكبّ رؤساء الكتل النيابية على دراسة سيناريوهات المرحلة التالية في ظلّ استمرار الانقسام العامودي االحاد بين مكوّنات المجلس النيابي المولج بالانتخاب من جهة وإصرار كلّ من الفريقين على الإتيان بمرشحه عبر اتصالاتٍ ناشطة اتسعت خلال الساعات الأخيرة لتشمل عواصم القرار الاقليمي والدولي المرجح، وذلك بعد أن تيقن هؤلاء من أنّ الفراغ سيكون سيد الموقف في حال توقفت المساعي عند هذا الحد ولم تلحظ التسوية السريعة الملف اللبناني برمته.

وفي معرض تقييمه للمرحلة وخفاياها وأسرارها، كشف مصدر سياسي مقرّب من تيار "المستقبل" أنّ القاصي والداني وقادة التيار ومن يقف وراءهم يدركون حق الادراك استحالة الاتيان برئيس لا يرضى به "حزب الله" حتى لو كان ذلك عن طريق انقلاب أبيض أو انقلاب عسكري أو تسوية تطبخ في مكان ما، فالثابت الوحيد والخط الأحمر المضمر لديه يقف عند حدود الكلام عن رئيس غير قادر على التفاهم مع الحزب بدليل أنّ مجرد توتر العلاقات بينه وبين الرئيس ميشال سليمان على خلفية مواقف سياسية متناقضة أوقف البلاد وعطل طاولة الحوار ودفع به الى المزيد من التشدد ورفع السقوف بالرغم مما يعتبره تنازلات مقدمة من قبل فريقه السياسي لتسهيل تشكيل حكومة المصلحة الوطنية التي لم تنجح بالاقلاع حتى الآن. وبالتالي، رأى المصدر أنّ الرئيس العتيد لا بد له من أن يحظى بموافقة الحد الادنى من الحزب وهذا لا يعني التمسك بالحليف الماروني الأقوى أي رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون وذلك لاتساع مروحة الشخصيات المارونية المؤيدة بشكل او بآخر للمقاومة وتتماهى معها وان كان بالشكل دون المضمون الكامل.

في المقابل، يرى قيادي قريب من قوى الثامن من اذار أنّ تمسّك الحزب بالعماد ميشال عون كمرشح توافقي هو من باب الالتزام الاخلاقي وبالتالي فانه مستمر بدعمه حتى اللحظة الاخيرة، بدليل أنه أفرد له مساحة شاسعة من هامش المناورة التي مارسها جنرال الرابية بنجاح أكان في ملف السلسلة او لجهة فتح قنوات اتصال مع المملكة العربية السعودية عبر رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري المقيم هناك.

ويشير القيادي نفسه إلى أنّ فريق الثامن من اذار برمته لا يبدو مستعجلا لسلق الاستحقاق، خصوصًا أنّ الوقت الضائع يلعب لمصلحته في ظلّ أكثر من عامل إقليمي ودولي وتدني مرتبة لبنان من سلم الاولويات ليعود ملف الانتخابات السورية ليتصدر المشهد الاقليمي، فضلا عن المؤشرات والرسائل الواردة من هنا وهناك والتي تنصح بمجملها بالتريث وعدم حرق المراحل على اعتبار أنّ ما ستحققه غدًا سيكون أفضل مما ستحققه اليوم على قاعدة معترف بها وهي انه من يربح في سوريا يربح في لبنان، وهذه قاعدة معروفة ومسلم بها منذ عقود وليست وليدة الأزمة أو الاصطفافات والانتظام الاقليمي والدولي وفق محاور واجندات تابعة لها.

وفي حين يجمع الفريقان على ما وصفاه بالخشية من تسوية ربع الساعة الاخير الذي يطيح بالحسابات والثوابت خصوصا ان نجاح النائب وليد جنبلاط في لعب دور بيضة القبان المرجحة، والذي يصفه الاذاريون باقوى الاقوياء واضعف الضعفاء في الوقت نفسه، قادر على قلب الموازين لمصلحة مرشح توافقي ترضى عنه بكركي والفاتيكان العاكفة بقوة على تثبيت المسيحيين المشرقيين انطلاقا من لبنان ومن خلال شخصية قادرة على محاكاة "حزب الله" وسائر الاقليات من دون ان تكسر الجرة مع الاسلام السياسي.