يدخل إتفاق المصالحة الذي أعلنت عنه كلّ من حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيّتين في إطار توحيد الجهود لمواجهة التحوّلات والتغييرات المتلاحقة على المستوى العربي والإقليمي والدولي، والتي لم تصبّ بمجملها في صالح القضيّة الفلسطينيّة على الإطلاق.

وفي هذا السياق، ترغب "فتح" من خطوة المصالحة مع "حماس"، بالإستفادة من مواقف الحركة المتشدّدة تقليدياً، لمقاومة الضغوط الغربيّة والأميركية، الرامية إلى دفعها إلى توقيع إتفاق تسوية مع الجانب الإسرائيلي لا يلبّي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينيّة. في المقابل، ترغب "حماس" بالإستفادة من علاقات "فتح" الإقليمية والدولية، لمواجهة محاولات عزلها المستمرّة منذ سنوات طويلة، والتي بلغت ذروتها بعد إنحياز الحركة الإسلامية المتشدّدة إلى جماعة "الإخوان المسلمين" في أحداث مصر، وإلى جانب مسلّحي المعارضة في أحداث سوريا. وبقدر ما ترغب "فتح" بالتفاوض من موقع قوّة، ومن موقع تمثيلي واسع على الساحة الفلسطينية، بقدر ما ترغب "حماس" بأن تكسر الحصار السياسي والميداني المفروض عليها من مختلف الجهات، وليس من الجانب الإسرائيلي فحسب.

وليس سرّاً أنّ حركة "فتح" خسرت خصوصاً في الماضي القريب الدعم المالي والسياسي الذي كانت تلقاه من قبل المملكة العربية السعودية التي إنكفأت لمعالجة قضايا داخلية، ومسائل خليجيّة، إضافة إلى الملفّ السوري. وليس سرّاً أيضاً أنّ حركة "حماس" خسرت من جهتها الدعم اللوجستي والسياسي الذي كانت تلقاه من الجمهورية الإسلامية في إيران التي إتخذت موقفاً مسانداً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بمواجهة كل القوى التي عملت على إسقاطه بشكل مباشر أو غير مباشر. وتحاول "حماس" أيضاً تخفيف التوتّر مع السلطات الجديدة في مصر، بعد إزاحة حكم "الإخوان المسلمين" الذين كانت الحركة قد وقفت بجانبهم بقوّة. لكن من الضروري التذكير أنّ العبرة تبقى بالتنفيذ، باعتبار أنّه سبق للفلسطينيّين أن أعلنوا عن إتفاقات مصالحة من القاهرة في العام 2011، ومن الدوحة في العام 2012، لكنها بقيت في إطار الشكليات الإعلامية. وبالتالي، يجب مراقبة تعهّد تشكيل حكومة وحدة فلسطينية خلال خمسة أسابيع، وتعهّد تنظيم إنتخابات شاملة خلال ستة أشهر.

بالنسبة إلى التداعيات، من الأكيد أنّ هدف الإدارة الأميركية بتوقيع إتفاق فلسطيني-إسرائيلي على الخطوط العريضة قبل إنقضاء المهلة المحدّدة سابقاً، والتي تنتهي في 29 نيسان الحالي، بات مستحيلاً، بسبب التعثّر الحاصل في هذه المفاوضات غير المثمرة منذ تسعة أشهر حتى اليوم، والمرشّح للإزدياد بعد الإعلان عن المصالحة الفلسطينيّة الداخليّة. ومن المتوقّع أن تتشدّد حركة "فتح" في مواقفها بحجّة عدم حصول إجماع فلسطيني على تقديم المزيد من التنازلات، في مقابل تشدّد الجانب الإسرائيلي بحجّة عدم إمكان التفاوض مع جهات ترفض الإعتراف بدولة إسرائيل وتقوم بأعمال إرهابية بحسب التوصيف الإسرائيلي. وعلى الرغم من أنّ السلطة الفلسطينية حاولت التقليل من خلفيّات خطوة المصالحة، عبر إدراجها في إطار ترتيب البيت الداخلي، فإنّ الحكومة الإسرائيلية ذهبت بعيداً في تصعيدها، وقرّرت وقف المفاوضات وتطبيق المزيد من العقوبات الإقتصادية.

وبالتالي، يبدو أنّ الفشل سيكون مصير محاولة إدارة الرئيس الأميركي، الإستفادة من الضعف الفلسطيني على المستوى الداخلي، ومن التضعضع والخلافات على مستوى الساحة العربيّة، ومن البلبلة على الساحة الخليجية، لتمرير صفقة تسوية بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين. والفشل في تمرير هذه الصفقة، يضاف إلى مجموعة متكاملة من الإخفاقات السياسية على مستوى السياسة الخارجية لإدارة الرئيس باراك أوباما.