إعلان المصالحة بين حركتي فتح وحماس يمكن أن يشكل تطوراً مهماً في الساحة الفلسطينية إذا كان يندرج في سياق خطوات عملية جادة لإعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية على قاعدة مغادرة خيار أوسلو والمفاوضات العقيمة والمدمرة للقضية الفلسطينية، والعودة إلى إحياء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون الإطار الجامع لقوى وفصائل المقاومة الفلسطينية على أساس استعادتها لهويتها ولمنطلقاتها الأولى كحركة تحرر وطني تعتمد المقاومة خياراً استراتيجياً ضد الاحتلال وليس خياراً تكتيكياً.

أما إذا كان الإعلان هو نتيجة وصول المفاوضات مع العدو الصهيوني إلى طريق مسدود بفعل الشروط «الإسرائيلية» المذلة، واستخدام المصالحة ورقة ضغط لدفع الحكومة «الإسرائيلية» إلى تليين موقفها والتخفيف من شروطها، فإن الإعلان عن المصالحة لن يقدم جديداً وسيكون مجرد خطوة تكتيكية لا ترتقي إلى مستوى تطلعات وطموحات شعبنا الفلسطيني والجماهير العربية التواقين إلى رؤية الانقسام الفلسطيني وقد زال وتم تجديد حركة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.

إن قراراً استراتيجياً بوضع حد للانقسام والعودة إلى خيار المقاومة كخيار استراتيجي مرتبط أولاً وأخيراً بوصول قيادة حركة فتح ومعها طبعاً السلطة الفلسطينية، إلى قناعة راسخة بفشل عملية أوسلو، وأن عليها مغادرتها وتحويل التهديد بحل السلطة الفلسطينية إلى فعل، كي يعود الاحتلال إلى تحمّل مسؤولية احتلاله وتبعاته، وبالتالي وضع نهاية لسلطة لم تكن لها وظيفة سوى تمويه هذا الاحتلال وإراحته من الأكلاف كلّها المترتبة عليه، حتى بات أرخص احتلال في التاريخ، إذ يستمر في ممارساته التعسفية والقمعية وعمليات استيطان وتهويد الأراضي الفلسطينية وتصفية المقاومين في ظلال السلطة والمفاوضات.

غيرأن ترجمة هذا القرار إلى خطوات عملية لا يحتاج سوى إلى إرادة تجرؤ على إعلان حل السلطة الفلسطينية وإعلان نهاية أوسلو.

الأكيد أن امتلاك هذه الإرادة مرتبط بالتحرر من قيود الاحتلال والارتهان لحلفائه وفي المقام الأول الولايات المتحدة الأميركية التي سارعت وحكومة العدو الصهيوني إلى التلويح بوقف المساعدات المالية للسلطة في حال استمرت قيادتها في تنفيذ اتفاق المصالحة مع حماس، ولن تتوانى حكومة العدو في مرحلة لاحقة عن وقف سائر الامتيازات المعطاة لقيادات السلطة من حرية حركة وغيرها من التسهيلات.

لذلك، إذا كانت قيادة فتح تريد السير في المصالحة والمحافظة في الوقت نفسه على عملية أوسلو والتمسك بالسلطة وامتيازاتها، فستبقى أسيرة قيود الاحتلال والارتهان له وخاضعة لضغوطه، إذ لا يمكن الجمع بين الأمرين، إلا إذا كانت حركة حماس قررت الموافقة على أوسلو والانضمام إلى نهج التفاوض والتخلي عن شعاراتها التي ترفض الاعتراف بـ«إسرائيل».

أثبتت التجربة أن السلطة تحت الاحتلال لا يمكن أن تكون قادرة على اتخاذ القرارات الوطنية المستقلة فالاحتلال لا يمكن أن يقبل بها، وإذا أرادت قيادة فتح تصحيح المسار وأخذ العبر من تجربة السلطة تحت الاحتلال وعقم المراهنة على وهم المفاوضات لاستعادة بعض الحقوق وإقامة دولة على جزء من الأرض الفلسطينية فإن ذلك متاح فحسب في حال اتخذت قراراً جريئاً بحل السلطة والخروج من عباءة أوسلو والعودة إلى قواعد النضال الوطني التحرري.

فهل تُقدم على اتخاذ مثل هذا القرار وتصحح المسار؟