حدثان أمس الثّلاثاء هزّا كياني كمواطنٍ لا كصحافيّ، وكقريبٍ وأبٍ لا كمربٍّ، وفي الحدثَين فعلُ اختطافٍ.

* الأوّلُ هو ﺍلإﻓﺮﺍﺝ ﻋﻦ ﺍﻟﺴّﻮﺭﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﺨﺘﻄَﻔﻴﻦ ﻭﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴّﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺍﺳﻠﺔ، باستثناء ﻣﺨﺎﻳﻞ ﻣﺮﺍﺩ اﺑﻦ ﺑﻠﺪﺓ ﺭأﺱ ﺑﻌﻠﺒﻚ، ﺍﻟﺬﻱ أﺑﻘَﻰ ﻋﻠَﻴﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠّﺤﻮﻥ من "داعش"، واحتجزوه بوصفِه "كافرًا" بحسبِ تعبيرِهم، وطالبوا مساءَ أمس بفديةٍ لإطلاقِه، هي شاحنةٌ من الأسلحةِ...

* وأمّا الحدثُ الثّاني فهو "اختطاف" 108 آلاف متعلّم، واللعب بمصيرِهم عشيّةَ بدءِ موسم "المونديال"، وإبقاؤهم في حالٍ منَ الإقبالِ على الامتحاناتِ الرّسميّةِ والإدبارِ عنها، وربط مصيرِهم ببابِ سُلطانٍ غريبٍ–محفوضٍ، في هيئة تنسيقٍ نقابيّة، لتطييرِ الامتحاناتِ الرّسميّة، تحت شعار مطالبَ محقّةٍ، وبذريعةِ الحفاظِ على مستوى الشّهادةِ الرّسميّة...

الادّعاء الأوّل على تكفيريّين امتهنوا اختطاف شخصٍ لا يُشاركهُم الدّين الواحد بتفاصيله وطقوسه، والثّاني على تربويّين اختطفوا شريحتَين عمريّتَين باكملهما، وعن بكرة أبيهما، فباتوا يتحكّمون بالمصائر...

القضيّةُ الأولى ما زالت عالقةً لدى "الدّاعشيّين"، وشروطُ الفديةِ معلومةٌ... وأمّا الثّانية فقُبيل منتصف الليل، أُعلن الإفراجُ عن جزء من مصير الرّهائن، وعنينا به إرجاء الامتحانات الرّسميّة 24 ساعة، مع ربط نتائجها بإقرار سلسلة الرّتب والرّواتب... على طريقة "من تحت الدّلفة إلى تحت المزراب"...

فيا أيُّها اللاعبون بمصيرِ الأجيالِ الطّالعة، على طاولةِ المراهناتِ السّياسيّةِ والبازاراتِ الرّخيصة... أكُنتم من 8 أو من 14، أو تدّعون الوسطيّة... لا همّ عندي يُضاهي خوفي على ابنتي الّتي تخضعُ هذه السّنة – ولسوء طالعِها مع أترابِها على امتدادِ الوطن، للشّهادةِ الرّسميّةِ.

بالله عليكُم أليس من الأضمَن لي أنْ أسجّلها في امتحانات "قندهار" الرّسميّة، أو الكركوك أو مجاهل أفريقيا، أو أيّ ناحيةٍ لم تصل إليها بعد رياحُ "النّكايات السّياسيّة"، فتلفح بسمومها التّعليم والتّربية؟

فحتّى في النّواحي الدّاعشيّة، لم يستشرِ بعد الفسادُ المنسحِب على التّربية إلى هذا الحدّ...

في تلك المجاهلِ لا تُعطي سياسةُ الزّواريبِ الكلمةَ الفصل لتربويّين يحتلّون الوزارة بإيحاء سياسيّ، ويخرجون منها "بتمنٍّ سياسيّ"، وفي كلتا الحالتَين نُستَخدَم نحن الشّعب متاريسَ جبهة!

ألا يكفي أبناؤنا ما يُعانونه في سبيلِ الحصولِ على الوظيفةِ بعد التخرّج، وشبح البطالة الّذي سيُطاردهم لا محالة، حتّى نعمدَ إلى تقديمِ سنّ المعاناةِ عندهم، فتنسحبُ معاناتُهم على الصّفوفِ المتوسّطةِ من التّعليِم الأساسيّ أيضًا؟

وبعد...

فإنّ الامتحاناتِ وإن أرجِئَت يومًا، أو حتّى طُيّرَت، إلاّ أنّ الشّهادةَ الرّسميّةَ ستعودُ لا محالة... لكنّ ما صدرَ عن الثّنائيّ حنّا غريب ونعمة محفوض أمس وما قبله، بات يطرح أكثر من تساؤلٍ عمّن نوكلُ إليهم تربيةَ أبنائِنا، وعن خُلُقِ هؤلاء وتربيتِهم، والهامش الّذي يتحرّكون خلاله للدّفاع عن حقوقهم.

ففي يومِنا هذا، بات مجتمعُنا في حاجةٍ إلى مربٍّ لا إلى معلّمٍ، في عصرٍ باتَ العِلمُ متوافرًا من خلالِ التّقنيّاتِ ووسائِل التّواصِل والإنترنِت، وأمّا الأخلاقَ والسّيرة الحسنة والرّقيّ في التّعاطي مع الآخرين، فلا تُكتَسَب بالآلةِ، بل من خلال المربّي. وعلى الأخير أنْ يكون القدوة والمثال!