تُواجه الجمهورية الإسلامية ال​إيران​ية ورطة كبيرة بفعل مُشكلة مزدوجة في العراق كانت السبب وراء قرار إرجاء الحسم العسكري، وسيطرة حال المراوحة الفوضويّة التي يشهدها العراق سياسياً وأمنياً. فما هي هذه المشكلة؟

تُدرك القيادة الإيرانيّة أنّ بقاء رئيس الوزراء العراقي ​نوري المالكي​ والذي يتولّى أيضاً منصب القائد العام للقوات المسلّحة العراقيّة، في سدّة الحُكم، لن تساعد على تهدئة الغليان الذي يسود الوسط السنّي في العراق، ولا على تخفيف حدّة المعارضة له في صفوف عدد من القيادات الشيعيّة في البلاد، ولا في إمتصاص النقمة الكرديّة المتصاعدة عليه. كما أنّ بقاء المالكي المُمسك بالسلطة منذ العام 2006، والذي يرفض التنحّي باعتبار أنّ من حقّه تشكيل الحكومة المقبلة لأنّ الكتلة السياسية التي يقودها كانت قد فازت في نيسان الماضي بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب العراقي، يجعل من الصعب التوصّل إلى حلّ سياسي، خصوصًا في ظلّ الضغوط الغربيّة والأميركيّة لتشكيل حكومة وحدة وطنيّة جامعة، وفي ظلّ تصاعد الإنتقادات الكرديّة له. وكل ما سبق يُشكّل مشكلة لإيران التي ترغب بعودة الهدوء إلى المناطق المحاذية لحدودها لكن ليس على حساب الشخصيّات الحليفة لها. في المقابل، تخشى طهران من أنّه في حال قيامها بفرض التنحّي على المالكي، الذي يُعتبر موالياً تماماً لها، ستُفسّر خطوتها كموقف تراجعي من موقع الضعيف والراضخ. وهذا ما سيُشجّع على مزيد من التمرّد على الحكم المركزي في العراق، إن من قبل العشائر وعناصر ​الجيش العراقي​ السابق ومسلّحي تنظيم "داعش" الإرهابي من جهة، أو حتى من قبل السلطات الكرديّة التي يقاطع وزراؤها إجتماعات الحكومة الحالية. وفي حال الإستجابة إلى الضغوط الغربيّة غير المُعلنة بإخراج المالكي من المعادلة السياسيّة، ستعمد الدول الغربيّة إلى ممارسة المزيد من الضغوط على طهران لإنتزاع المزيد من التنازلات. ولا يُمكن لطهران أن تقبل بأيّ من هذه السيناريوهات بأيّ شكل من الأشكال. وبالتالي، إنّ دعم بقاء المالكي كرئيس لأي حكومة مقبلة، يُشكّل مشكلة كبيرة لإيران، علماً أنّ سحب البساط من تحت أرجله يُشكّل مشكلة أكبر لها!

من جهة أخرى، تُدرك القيادة الإيرانية أنّ الجيش العراقي عاجز وحده عن إستعادة السيطرة على المناطق التي سيطرت عليها ميليشيات "داعش" والمُقاتلين الذين إلتقت مصالحهم مع مصالح هذا التنظيم الإرهابي. وهذا ما وضع إيران أيضاً أمام خيارين أحلاهما مُرّ. فطهران لا تزال تُعارض بشدّة أيّ تدخّل عسكري أميركي بالنزاع، لأنّها غير مُقتنعة بأنّ من شأن أي قصف صاروخي أو غارات جويّة تغيير الواقع القائم على الأرض، بينما سيؤدّي هكذا عمل إلى تحفيز "الجهاديّين" أكثر فأكثر، وإلى إحراج طهران وكأنّها باتت في "خندق واحد" مع من كانت تصفه بالأمس القريب "الشيطان الأكبر". كما تعلم طهران أنّ تدخّلها العسكري المباشر داخل الأراضي العراقيّة عبر جيشها النظامي، يَلقى معارضة واسعة إن كان من الدول الغربيّة وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر هكذا تحرّك تهديداً لمصالحها الحيويّة في منطقة الشرق الأوسط، أو من قبل الدول العربيّة وفي طليعتها المملكة العربيّة السعودية التي تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها ولحدودها. كما أنّ من شأن هكذا تدخّل أن يُحوّل المعارك الحالية، من عراقية داخلية بدعم أجنبي على أرض العراق، إلى مواجهة إيرانية مباشرة مع مقاتلين عراقيّين ومع مسلّحي "داعش"، ما سيُورّط إيران في مستنقع دموي بطابع مذهبي. وبالتالي، إنّ السماح بالتدخّل العسكري الغربي مجدّداً يُشكّل مشكلة لإيران، كما أنّ أخذ مهمّة معالجة الوضع المأزوم على عاتق طهران بنفسها يُشكّل مشكلة أكبر!

ووسط هذه الأجواء المأزومة، يبدو أنّ الصراع في العراق والمنطقة مُرشّح إلى مزيد من التصعيد، نتيجة العجز عن تغيير الوقائع الحالية خلال فترة زمنيّة قصيرة، في إنتظار أن تظهر أولى بوادر المنحى الذي ستأخذه الأمور، وصولاً إلى حل التسوية المُنتظر.