قلما تحركت الدولة اللبنانية وبادرت لإيجاد مخارج للأزمات التي تعصف بالوطن، أو مواجهة التحديات الطارئة الناتجة من تجاذبات وتناقضات الوضعين الإقليمي والدولي وانعكاسهما على الساحة اللبنانية. كانت الدولة دائماً تتوارى ضعفاً في الظل، بينما الأحداث تحمل إلينا كلبنانيين نذير الخطر والشؤم الكبيرين.

كنا نطالب كالكثير من اللبنانيين منذ بداية الأزمة السورية أن تُظهر الدولة القوة لئلا تمتدّ سَوْرة الجنون ومشاعر الكراهية المذهبية والطائفية التي خلقت الحافز إلى العنف الجماعي إلى الساحة اللبنانية. لكن الدولة فعلت عكس ذلك، فقد ساهمت في تزويد النزاع في سورية بعوامل الاستمرار والاضطرام من خلال غضّ النظر عن الإرهابيين الذين كان لبنان بالنسبة إليهم محطة عبور ومخزناً للسلاح، وأيضاً قامت بالانغماس في الموقف السياسي ضدّ سورية فشرّعت رياح الانقسامات والخلافات لتأخذ طريقها في إثارة الأحقاد الطائفية الكامنة والمتراكمة، وليدخل لبنان في دائرة من الفوضى الأمنية.

تدفن الدولة رأسها في الرمال كالنعامة وكأنها لا تريد أن ترى وتسمع ما يجري من عنف جهنمي في العراق، حيث يمكن للمرء أن يرى هناك دليلاً أكبر على كون النزاعات المذهبية قد تخطت حدودها الحمر مهدّدة أسس الحياة والتفكير والثقافة في المنطقة بأسرها.

إنّ الجماعات المتطرفة التي حشدت آلاف المقاتلين في سورية والعراق وأعلنت دولة الخلافة، قرّرت أن تتمدّد إلى لبنان لتثبيت حكمها المباشر عليه كما صرّح قياديون فيها، في محاولة لدمج ولاية لبنان المزعومة مع بقية الولايات الأخرى في دولة الخلافة الإسلامية.

إنّ هذه التحديات الخطيرة لا تدخل لبنان في عوامل تأزيم طائفية واجتماعية لا يعرف في العادة كيف يخرج منها، وإنما سنكون جميعاً كلبنانيين أمام واقعٍ هو الأشدّ ميلاً إلى العنف والأعمال الثأرية الوحشية والكانتونات الجغرافية التي تساهم في تقسيم لبنان وجعل الفوضى تضرب فيه من كلّ جانب. ولا شكّ أنّ جزءاً أساسياً مما يحصل في لبنان والمنطقة يعود إلى جرثومة الشرّ «إسرائيل».

إنّ «إسرائيل» التي ترفع من وتيرة الاستيطان لبلوغ حلمها في تحقيق دولة يهودية نقية مسؤولة عن الحروب الضارية التي تشتعل في المنطقة. لقد نجحت «إسرائيل» في تحويل الحروب عنها لتصبح حروباً بين أبناء المنطقة. وإذا أخذنا في الاعتبار حجم الأموال والإمكانات التي تُدفع في هذا السبيل لعلمنا إلى أيّ مدى ستذهب المواجهات بين المذاهب والجماعات والقوميات في شراستها ورعبها ونتائجها التدميرية.

مرة أخرى، إنّ الدولة مسؤولة اليوم لتجاوز العوامل الداخلية والخارجية في الأزمات المستفحلة التي نشهدها جميعاً من خلال رؤية وطنية في مقاربة الملفات السياسية، لا سيما موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية ووضع قانون عصري للانتخابات النيابية، وثانياً من خلال معالجة الملفات الاجتماعية كملف الموظفين والمعلمين وأساتذة الجامعة وغيرها من الملفات التي تضرب صلب الاستقرار الاجتماعي، ومن جانب آخر فإنّ المطلوب اتخاذ إجراءات حاسمة لئلا يتحوّل لبنان إلى ضحية في صراع القوى الخارجية وتناقضات القوى المحلية.

لبنان الحائر والخلافة القروسطية والكيان «الإسرائيلي» الصلف يشكلون وجه المنطقة من حيث اللامبالاة والهمجية وإرهاب الدولة. ثلاث ظواهر ترسم وجه المنطقة حالياً. فهل نتكاتف كمؤمنين ومقاومين لنحوّل اللامبالاة إلى المسؤولية ونقضي على الهمجية بالالتزام بحدود الله وقيم الإسلام السمحة السهلة، وندفن إرهاب الدولة في جدث التاريخ!