ليست صدفة أن يتزامن اشتداد معارك الجرد الفاصل بين لبنان وسوريا مع خطاب الرئيس السوري بشار الاسد في مستهل ولايته الثالثة، كما أنّ عامل الصدفة يغيب كليًا عن تضمين الخطاب الرئاسي السوري رسائل تهديد في أكثر من اتجاه، فليس من باب العبث أن يخرج الأسد بهدوئه المعهود ليؤكد أنّ الدول الداعمة للارهاب ستدفع الثمن غاليا، ولا إقراره بدور "حزب الله" في الوقوف الى جانب سوريا وتغيير المعادلة فيها جاء عرضا، بل إعلانا لبدء المرحلة الجديدة التي قد تكون بحسب المتصلين بالعاصمة السورية للتهنئة محكومة بالحسم السريع المستند إلى ضوء أخضر روسي إيراني خصوصًا أنّ الخطاب بمضمونه هو إعلان نصر واحتواء للساحة في ظل معطيات جديدة طرأت على المشهد الاقليمي بدءًا من العراق مرورًا بغزة التي تشهد في هذه الاثناء الرد الطبيعي الايراني والسوري على تحريك "داعش" في العراق ولبنان وسوريا بشكل غير مرغوب فيه بالنسبة للمحور الذي تنتمي إليه سوريا.

في هذا السياق، توقف المراقبون عند ثلاث نقاط أساسية تضمنها خطاب الاسد وهي الاشارة الواضحة الى دور حزب الله، وكأنه يعلن الحلف الابدي السرمدي معه من جهة، وبالتالي تسليمه الورقة اللبنانية الاقليمية بكل تشعباتها وحساسيتها من جهة ثانية فضلا عن الدور الاقليمي للحزب انطلاقا من سوريا بهدف تحويله إلى أصعب الأرقام داخل منظومة المحور الممانع، خصوصًا أنّ اللحظة السياسية الراهنة مؤاتية لكلا الفريقين لتوحيد الوجهة السياسية عشية الاستحقاقات الدولية والاقليمية الداهمة. بيد أنّ موسكو وإيران منشغلتان بملفات أكثر اهمية بالنسبة لهما، الأولى بإعادة تركيب المنظومة الدولية وإسقاط الأحادية بصورة كاملة ونهائية انطلاقا من إعادة تركيب الخريطة السياسية في اوراسيا، والثانية بملفها النووي الذي بدأ يشهد حالة من المد والجزر منذ أن تحرّكت "داعش" بغض نظر من واشنطن وموافقة ضمنية من الدول الخليجية الدائرة في الفلك الأميركي ما يعني أنّ الوقت بات مناسبًا للأسد ولـ"حزب الله" لاستعادة المبادرة على مستوى الملفات اللبنانية والسورية المتداخلة بشكل كامل وناجز وما الدليل على ذلك سوى التوقيت الذي اعتمده "حزب الله" والجيش السوري للبدء بحملة التطهير في جرود السلسلة الشرقية، وهو توقيت يرتبط بالنتائج السياسية أكثر منها العسكرية لا سيما أنّ ما تبقى من مقاتلين في هذه الجرود لا يشكل خطرا استراتيجيا على أي منهما.

أما النقطة الثانية فهي الرسالة التهديدية التي وجّهها الأسد لدول الخليج وتركيا من دون أن يسمّيها وإن كان قد أشار إليها بوضوح من خلال التأكيد بأنها ستدفع الثمن الباهظ نتيجة خياراتها، بحيث يقرأ المراقبون أنّ الاسد أعلن حربًا على هذه الدول وأنّ وقت الحساب قد اقترب في ظلّ وعدٍ أطلقه أمام مجلس الشعب حول استعادة الأراضي السورية كافة في مشهد يؤكد على رفضه القاطع لأيّ تحوير في الحدود السورية ما يعني أيضًا أنّ المعركة الكبرى مع دولة الاسلام في العراق والشام "داعش" قادمة لا محالة وأنّ حسمها يعني ارتداد "داعش" باتجاه الدول التي انطلقت منها ومن بعدها فلكل وقت حساب، لا سيما أنّ كلام الأسد وتهديداته جاءا في وقت باتت فيه معركة حلب محسومة عاجلا أو آجلا لمصلحة الجيش السوري.

غير أنّ المحطة الثالثة التي شغلت المراقبين تمحورت حول تركيز الرئيس الأسد على عودة من وصفهم بالشرفاء من دون أن يوضح مفهومه العام لهم، وبالتالي فإنّ علامة الاستفهام تمحورت حول مصير النازحين إلى لبنان وما إذا كانت عودتهم مسموحة أو أنهم من غير المرغوب بعودتهم في هذه المرحلة وما إذا كان يعني ذلك تصفيتهم عسكريًا وسياسيًا في لبنان وفي جرود السلسلة الشرقية تحديدًا ومن بعدها الضغط عليهم في الشمال في إطار عملية تصفية حساب شاملة.