كلّ تفصيل في الشكل والمضمون في حفل قسم الرئيس السوري ​بشار الأسد​ كان مدروساً. حاكت إطلالة الأسد الداخل والخارج. منذ لحظة وصوله الى باحة القصر الرئاسي المكشوف على تلة تشرف على دمشق، خطا الأسد بثقة أمام حرس الشرف. تلك كانت رسالة واضحة لكل من كان يتهم الرئيس السوري بالإختباء. ليست هي المرة الأولى التي يظهر فيها الأسد خارج قصره. طيلة السنوات الماضية في عمر الأزمة، كان الرئيس السوري يتنقل في أرجاء العاصمة. كان يقود سيارته بنفسه رغم التحذيرات الأمنية ويتجول سراً. يُقال أنّ حاجزاً أمنياً أوقف سيارته ذات مرّة ليتفاجأ العسكريون أنّ رئيسهم هو من يقودها وحيداً. الأسد معتاد على زيارة المطاعم مع زوجته وزواره حتى الأشهر الأولى من الأزمة. كان يتهافت عليه المواطنون ويستمع اليهم دوماً. الإجراءات الأمنية حدّت في السنتين الماضيتين من إطلالاته العلنية.

فتحُ أبواب القصر الرئاسي للأسد مشهد روسي. تماماً كما يدخل القيصر الروسي دخل الرئيس السوري. تلك المحطة ليست عابرة. صحيح أنها ترمز إلى الهيبة مصحوبة بأداء التحية العسكرية المنظمة، لكنها تدل على عمق الإلتزام بالتحالف مع الروس. تلك عاداتهم في موسكو. لم لا تكون في القصر الرئاسي السوري؟

يحق بالنسبة لدمشق ان "يكون للرئيس السوري الفائز بأصوات الشعب مراسم تليق به". الرسالة في الشكل وصلت الى الحليف وللخصم والعدو: ها هو الأسد بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب عليه يطل بمراسم رئاسية "قيصرية" مستنداً الى نتائج انتخابية ووقائع ميدانية وفشل ِ المشروع الذي خطط للإطاحة به ووضع له مواقيت زمنية.

جاء خطاب الأسد قوي الدلالات. للسوريين وعدٌ بمحاربة الارهاب والفساد وإستكمال المصالحات وإعادة الإعمار، ما يعني أنّ الرئيس السوري ينظر الى المستقبل لا الى الخلف. يعني عملياً تجاوز الأزمة.

جاءت تسمية الرقة وحلب للجزم بأن لا تنازل عن اي بقعة سورية. تلك رسالة وطنية ثابتة بالإلتزام بوحدة سوريا. إستند الأسد في كلامه حول محاربة الإرهاب. يُدرك جيداً أن كل السوريين يريدون ذلك. هذا العنوان موضع إجماع عام. منه إنطلق في مقاربة المستقبل السوري.

قدم الأسد خطاب زعيم منتصر في حربه. إختلف خطاب القسم عن خطابات الأسد السابقة. بدا واثقاً أكثر من اي مرة بمستقبل بلاده. خاطب الخارج بإشارته الى تمدد الإرهاب. سألهم: ألم نقل لكم؟ ذكّر بمحطات دموية حصلت إنطلاقاً من الثمانينات. أشار الى "الإخوان المسلمين" وسمّاهم "شياطين". هنا دغدغ أيضاً مشاعر المصريين تحديداً. كأنه يقول لهم: معركتنا واحدة. صوّب بإتجاه السعوديين والأتراك بإستحضاره إسم رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان والأمير السعودي بندر بن سلطان. لكن من باب الجزم بفشل "العنتريات والبندريات". بدا الأسد واثقاً بالإنتصار. إشارته للإرهاب المتمدد توحي وكأن العواصم ستشّرع يوماً ما محاربة دمشق للإرهابيين.

لم يوارب الأسد. حسم أمر تحالفاته وخصوماته. رسخّ إلتزامه بالقضية الفلسطينية وأنهى أي تساؤل حولها نتيجة الموقف من حركة "حماس"، إلى حد ربط السياسات في المنطقة واستراتيجية سوريا بالموقف منها. هنا خاطب شعبه بتركيزه على الفصل بين القضية و"ناكري الجميل". يقصد هنا "حماس"، ما يعني أن لا رجوع عن مقاطعتها رغم كل ما قيل عن مساعٍ لتسوية الخلافات معها. يُدرك أن "حماس" باتت ترتبط بسياسات أخرى. لا إمكانية لإعادة ما إنقطع. بالنسبة الى السوريين العلاقة ستكون مبنية على من وقف الى جانبهم طيلة عمر الأزمة. من أجل ذلك سمّى الأسد ايران والصين وروسيا والمقاومة اللبنانية.

لم يكن خطاب الأسد مفاجئاً بالنسبة الى السوريين. هم يعيشون يومياً التطورات الميدانية. يتدرجون في فهم تبدل ميزان القوى لصالح الدولة السورية. يعرفون أن في الميدان مجموعات متطرفة لا مكان فيها لمعتدلين او ثوار. يسألون عن المعارضين- لا فعالية لهم لا في "داعش" ولا "جبهة النصرة". يفتشون عن "الجيش الحر" فلا يجدون أثراً له، حتى شعاراته غابت. العلم الأخضر لا وجود له الا خلف المعارضين في فنادق الخارج. الأعلام السوداء وحدها تنافس العلم السوري.

في خطاب القسم ذكّر الأسد بما حذّر منه. أبقى الباب مفتوحاً لعودة الذين قاتلوا الدولة الى حضنها. ومن هنا كان تأكيده على المصالحات كباب للحل السياسي لا غير. إعتماد دمشق على السوريين، لا على المبعوثين الدوليين ولا على المبادرات الخارجية. الحل بالنسبة الى الرئيس السوري كما رسّخ خطاب القسم داخلي وطني. الشعب صار مؤمناً بهذه الثابتة بعد تجارب العواصم الدولية مع الأزمة السورية.