يَرغب الإسرائيليّون وبشدّة بوقف المُواجهات الحالية مع الفلسطينيّين، لأسباب عدّة أبرزها:

1- فشل الغارات الكثيفة التي شنّها سلاح الجوّ في وقف عمليّات إطلاق الصواريخ التي غطّت، ولأوّل مرّة، نحو 70 % من الأراضي التي تحتلّها إسرائيل، من دون أن ينجح نظام "القبّة الحديديّة" في إعتراضها إلا بنسبة محدودة نسبياً، الأمر الذي أصاب الإسرائيليّين بالإحباط.

2- وجود خشية في أن تتسبّب العمليّة العسكريّة البرّية التي أطلقتها بوقوع إصابات بشريّة كبيرة في صفوف القوّات الإسرائيلية من دون تحقيق نتائج مهمّة على الأرض، والخوف من الدخول في حرب إستنزاف في حال الإبقاء على مواقع محتلّة داخل غزّة، إضافة إلى غياب التغطية الضرورية والتمويل اللازم لعمليّة من هذا النوع، في حال توسّعها وإستمرارها.

3- تلقّي القطاعين الإقتصادي والسياحي في إسرائيل ضربات مُوجعة، بمجرّد إستمرار المواجهة، وبالتالي عمليّات سقوط الصواريخ.

في المقابل، يَرغب الفلسطينيّون بوقف المواجهات الحالية مع الإسرائيليّين، لأسباب عدّة أبرزها:

1- على الرغم من نجاح المقاومة الفلسطينيّة في إثبات قدرتها على إلحاق ضربات مادية ومعنويّة كبيرة في العمق الإسرائيلي، إلا أنّ المقارنة بين حجم الضحايا والخسائر لدى الطرفين، تُظهر حجم المأساة الكبيرة في صفوف الفلسطينيّين، الأمر الذي يستوجب العمل على وقف المعركة في أسرع وقت، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، ولإعادة الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة للفلسطينيّين المحاصرين في القطاع، ولمنع إسترسال إسرائيل في هجومها البرّي.

2- تعدّد المشاكل العالمية، وكثرة الخلافات العربيّة-العربيّة، وترسّبات الأزمة السورية، أدّت كلّها إلى عدم تسليط الضوء بالشكل اللازم على المواجهة الدائرة في غزّة حالياً، علماً أنّ علاقات ​حركة حماس​ ليست في أفضل أحوالها مع قوى إقليميّة فاعلة كانت تمدّها بكل الدعم السياسي والعسكري في مواجهات سابقة مماثلة. وتحتاج الحركة لوقت مُستقطع لإلتقاط أنفاسها من جديد، ولإعادة تنظيم صفوفها.

3- الخوف من أنّ تُصبح الضغوط الدولية على السلطة الفلسطينيّة أكبر في حال إستمرار المواجهات الحالية لفترة زمنيّة أطول، ما قد يُحدث شرخاً جديداً داخل الصف الفلسطيني الذي بذل جهوداً مُضنية على مدى سنوات للوصول إلى حكومة وحدة، خاصة وأنّه توجد حالياً محاولات جدّية لكفّ يد حماس عن قطاع غزّة بحجّة إنقاذ المدنيّين الفلسطينيّين.

والمُفارقة اللافتة، أنّه وفي الوقت الذي يرغب كلّ من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، في وقف المواجهات الحالية، مُكتفين بما حقّقه كل منهما من نتائج، فشلت المساعي الرامية إلى التوصّل إلى هدنة، أقلّه حتى الساعة، وبدأ الوضع يتدهور أكثر نحو المواجهة الميدانية. والسبب يعود إلى كلّ من الإسرائيليّين والفلسطينيّين أنفسهم، فإسرائيل لا تريد الخروج من هذه المواجهة الدامية خالية الوفاض، وترغب بضمانات دوليّة تكفل وقّف عمليّات إطلاق الصواريخ في المستقبل. وهي تحاول جاهدة تضييق الخناق على قدرات حماس العسكرية، عبر قطع الإمدادات اللوجستية عنها. كما تسعى للضغط على مصر لتكون أكثر جدّية وفعالية في مراقبة معبر رفح، وفي كشف الأنفاق التي تربط الأراضي المصرية بالأراضي الفلسطينيّة. كما تضغط على السلطة الفلسطينيّة وتحمّلها مسؤولية الفلتان في غزّة، في محاولة منها لتجديد الخلافات الفلسطينيّة الداخلية، ولتعزيز أيّ شروط تفاوض محتمل مع السلطة في المستقبل. أمّا حماس فهي ليست في وارد الموافقة على أيّ هدنة لا تؤمّن رفع الحصار القاسي المفروض على قطاع غزّة منذ سنوات، ولا تكفل حماية السكّان من الغارات الإسرائيليّة الدورية. كما أنّها ليست على إستعداد للتخلّي عن سلاحها أو عن سيطرتها على غزّة، أو تسليم المهمّات الأمنية الداخلية فيه للسلطة الفلسطينيّة، على الرغم من تحسّن علاقتها بهذه الأخيرة في الأشهر القليلة الماضية.

والمُشكلة التي لا تزال تحول حتى الساعة دون التوصّل إلى وقف للنار، تتمثّل في أنّ جمهورية مصر العربيّة التي أخذت على عاتقها محاولات إيجاد مخرج للأزمة، لا تتمتّع بعلاقة ثقة جيّدة مع حماس، الأمر الذي يجعل هذه الأخيرة بموقع المُرتاب والمُتردّد بالموافقة على أي بند مطروح وعلى أي تسوية مُقترحة. وتَعتبر الحركة أنّ حرب الإستنزاف ستُعزّز شروطها التفاوضيّة، وليس العكس، وستدفع إسرائيل إلى الموافقة على وساطة من جانب تركيا أو قطر أو غيرهما. كما تراهن حماس على فشل إسرائيل في عمليّتها الأمنيّة البرّية، وتتوقّع أن لا تكون موسّعة، بل محصورة في قطاع جغرافي ضيّق، وذلك من باب التهويل والضغط وليس بهدف إعادة إحتلال القطاع. أما إسرائيل فتسعى من خلال تصعيدها البرّي المستجدّ رفع منسوب الضغط إلى أقصى درجة، علّها تنجح بكسر تعنّت حماس، وعلّها تستجلب ضغوطاً دوليّة أكبر على الحركة.