لم يكن ما حصل في عاصمة الشمال خلال الساعات الأخيرة أمراً سهلاً، بل أقل ما يمكن القول فيه أنه نتيجة قرار كبير له إمتداداته الإقليمية والدولية، لا سيما أن جميع المؤشرات في الفترة السابقة كانت تؤكد بأن توقيف رجل تنظيم "القاعدة" الأبرز على الساحة اللبنانية ​حسام الصباغ​، ليس بالأمر السهل على صعيد تداعياته، وهو بالتالي لن يكون وليدة قرار على المستوى المحلي فقط.

على الرغم من ذلك، كانت هناك بعض المعطيات، التي تم تداولها على صعيد بعض الدوائر الضيقة، تتحدث عن معلومات متضاربة عن عملية إستباقية من الممكن أن تقوم بها الأجهزة الأمنية في منطقة الشمال خلال وقت قصير، لكن أحداً لم يكن يتوقع أن تكون بتوقيف الرجل "الثمين" في طرابلس.

من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة لهذا الملف، لم يكن من الممكن الحديث عن خطة أمنية جدية في الشمال قبل توقيف الصباغ، فالجميع يعلم أنه الأبرز على الساحة، رغم كل التدابير الأمنية التي يتخذها الرجل، المعروف عنه بأنه لا يحب العراضات الإعلامية، وهو لا يدلي بأي تصاريح صحافية، وجميع ما ينقل عنه من مواقف يأتي نقلاً عن مقربين منه لا أكثر.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن الصباغ كان يعتمد في تحركاته على التكتم الشديد، ولديه مجموعة مسلحة تتألف مما يقارب 300 مسلح مجهزين على أعلى المستويات، وتؤكد أن الأحداث السورية كانت بوابة عودة إسمه إلى الظهور بشكل علني من جديد.

وفي حين لا يزال الكثيرون لا يدركون حقيقة انتماء الصباغ إلى المدرسة "الجهادية"، تشير المعلومات الى أنه بدأ حياته في صفوف "الجماعة الإسلامية" قبل أن يترك البلاد متوجهاً إلى أستراليا في العام 1986، ليعود مجدداً في العام 2005 برفقة عائلته بعد أن تزوج هناك من إمرأة أسترالية، وتؤكّد مصادر مطلعة إلى أن الصباغ تعرف إلى الفكر المتطرف خلال فترة تواجده في أستراليا، لكن هذا الأمر تعزز مع بداية الغزو الأميركي للعراق في العام 2003.

بالعودة إلى بروز نجم الصباغ إلى الواجهة من جديد على الصعيد اللبناني مع إندلاع الأحداث السورية، تلفت المصادر إلى أنه كان من أبرز المشاركين في الإعتصامات التي نفذت على خلفية توقيف شادي المولوي من قبل الأمن العام، وإلى أن رجل "القاعدة" الأبرز وغيره من الشخصيات وجدوا أرضية خصبة تسمح لهم بالعمل في المدينة تحت لواء دعم "الثورة السورية".

وفي حين تتحدث المعلومات عن أن الصباغ لم يكن من المؤيدين لجولات العنف التي تجري في المدينة بين جبل محسن وباب التبانة، تؤكد المصادر نفسها، لـ"النشرة"، أن مجموعته شاركت في بعض جولات العنف، وتلفت إلى أنه في الأساس يقيم في منطقة أبي سمراء عند نزلة الخناق، لكن لديه منزلا آخر في منطقة التبانة يستخدم مركزاً لتقديم المساعدات.

على صعيد متصل، لم يكن الصباغ قبل الإعلان عن الخطة الأمنية الجديدة في طرابلس بعيداً عن الواجهة، لا بل كان يشارك في أغلب الإجتماعات التي تعقدها فاعليات المدينة، وله كلمة حاسمة عند أغلب المجموعات المسلحة، لا بل كان يشارك أيضاً في إجتماعات يحضرها أمنيّون، بالرغم من وجود أكثر من مذكرة توقيف بحقه.

وفي حين تكشف المصادر أن إسم الصباغ ورد ضمن قرار قضائي للمرة الأولى في العام 2007، بتهمة إنشاء مجموعات مسلّحة وإعداد وتحضير الشباب المسلم السني فكرياً وعسكرياً وجسدياً لمواجهة التحديات التي قد تطرأ على الساحة اللبنانية، تؤكد أن ما يهم اليوم هو أن توقيفه جاء بناء على قرار إقليمي ودولي كبير جداً، وترى أن الأمر يندرج في سياق الضربات الإستباقية التي كانت توجهها الأجهزة الأمنية في الفترة الأخيرة إلى الجماعات المتطرفة المنتشرة على الساحة اللبنانية.

من ناحية أخرى، لا تخفي بعض الأوساط الشمالية مخاوفها من حصول ردّات فعل على ما جرى، حيث تشير إلى أن أغلب الأوساط كانت متخوفة من حصول أمر كبير في المدينة، رداً على توقيف الصباغ، لكنها ترجح وجود قرار حاسم بمنع تفجير الأوضاع بأي شكل من الأشكال، وبالتالي لا يمكن الحديث عن ردة فعل خارجة عن المألوف، وتربط بين ذلك وبين المواقف التي أطلقها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يوم الجمعة الماضي.

وبالنسبة لهذه الأوساط، فإنّ ما يجب التنبه إليه حالياً، يتعلق بالمجموعات التي تسرّبت إلى الداخل اللبناني بعد معركة الحصن التي حصلت داخل الأراضي السورية، حيث تكشف عن دخول ما يقارب 300 عنصر إلى منطقة الشمال، وتؤكد انتشار هؤلاء وهم لا يتجمّعون في منطقة معينة، وتوضح أن المخاوف تتعزز بسبب وجود أعداد كبيرة من النازحين واللبنانيين الّذين من الممكن أن ينجرّوا مع هؤلاء بالعاطفة المذهبية، إلا أنها تؤكّد بأن الأجهزة الأمنية على علم بهذا الأمر، وبالتالي من المفترض أن تكون قد إتخذت كل الإجراءات اللازمة.

على صعيد متصل، ترجّح المصادر المطلعة وجود ترابط بين توقيف الصبّاغ والمداهمة التي إستهدفت المطلوب منذر الحسن، الذي لجأ إلى تفجير نفسه قبل توقيفه، لكنها تشير إلى أن ذلك لا يعني أن الحسن يعمل بإمرة الصباغ بشكل مباشر، وتذكر بأن الأول هو من أسرة غالبيّة أفرادها ذات توجه متطرف حالياً، بعد أن كان الجدّ في السابق من المنتمين لحزب "البعث العربي الإشتراكي" بجناحه العراقي.

وتشير المصادر، إلى وجود عدد من الأسئلة تطرح نفسها في هذه الآونة، حول أسباب تواجد الحسن داخل المبنى "الفخم" في عاصمة الشمال، وتسأل: "هل كان متخفياً فقط في المكان أم أنه كان يحضر لعمل أمني ما، خصوصاً أن منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار ليس بعيداً عنه، بالإضافة إلى منزل أحد الضباط الكبار في قوى الأمن الداخلي؟".

في المحصّلة، أثبتت القوى الأمنيّة بمختلف قطاعتها أنها تنجح بضرباتها الاستباقية، عندما تحظى بالغطاء السياسي اللازم، لحماية المواطن وأمنه.