وزّعت المصادر المقربة من الرئيس سعد الدين الحريري على مدى يومين معلومات تشير إلى أن مبادرة لكسر الجمود السياسي سيطلقها في خطابه المقرّر يوم الجمعة الفائت في إفطار تيار المستقبل.

صحيفة «عكاظ» السعودية وصحيفة «الدستور» الأردنية وصحيفتا «القبس» و«السياسة» الكويتيتان وموقع تيار المستقبل عدا عن الصحافة المحلية، ما يعني انّ حملة ترويج سبقت الخطاب لتضمن انتشار ما سيرد فيه ووضعه في التداول.

وحدها صحيفة «الجمهورية» اللبنانية استلحقت صبيحة الخطاب القول إنها بعد التحقق تبيّن انّ الحريري سيؤكد مبادئ وطنية وليس هناك ما يمكن تسميته مبادرة بمعنى المبادرة، فهل كان الحريري يعتزم قول شيء وجرى صرف النظر عنه في اللحظة الأخيرة؟

جاء الخطاب وتضمن مواقف سياسية ليست هي موضوع نقاشنا خصوصاً انها تضمّنت الكثير مما هو إيجابي حول فلسطين والعراق وخطر «داعش» ومشروع الإرهاب.

لكن بقينا ننتظر المبادرة فوجدنا تذكيراً وتأكيداً بمبادئ وثوابت تيار المستقبل التي يعرفها الجميع عن ظهر قلب منذ زمن غير قصير.

طبعاً من حق الرئيس سعد الحريري التقدم بمبادرات سياسية للبنانيين كون تياره حيثية وازنة وكون الحريري رئيس كتلة نيابية أساسية في البلاد، ولأن اللبنانيين يتعطشون لأي فسحة أمل تكسر الجمود المدعوم بشبح الإرهاب النائم طمعاً بانفراج الأمور وانطلاق عجلة البت بالاستحقاقات من انتخابات رئاسية وانتخابات نيابية، انتظروا خطاب الحريري الموعود بعناوين مهّدت للاطلالة «الحريري سيطلق مبادرة مهمة»، فإذاً المبادرة مبادئ تأكيدية وليست مشروعاً لملاقاة الخصوم في منتصف الطريق.

بالتأكيد يحق للحريري أن يؤكد تمسكه بمبادئ تياره لجهة أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية تليه حكومة جديدة وسحب حزب الله لمقاتليه من سورية والتمسك بمكافحة الإرهاب الا انّ هذه ليست مبادرة، فشق منها يصطدم بالثاني «انتخاب رئيس جديد» يصطدم بشرط «سحب حزب الله مقاتليه من سورية» والأهمّ سحبه الضمني للعماد عون كمرشح وحيد من دون وجود تفاهم ساسي شامل كان يُفترض بالحريري اقتراح بنود واقعية له او تشكل أساساً للنقاش.

الأخطر أنّ مكافحة الإرهاب التي أعطاها الحريري مكاناً مهماً في الخطاب ثبت ان لها طريقاً واحداً وهو الاقتراب السياسي والحكومي والنيابي بين الحريري وحزب الله. ويعلم الحريري ما يعلمه اللبنانيون ان اي جهد جدي لا يبذل لتفاهمات رئاسية ونيابية وحكومية في وضع كل المؤسسات من دون هذا الاقتراب، فمكافحة الإرهاب لا تستقيم بلا تبريد المناخ الشيعي – السني وانتخاب الرئيس لا يستقيم بلا تفاهمات نيابية وحكومية تكسر الجليد ولذلك كان معنى اطلاق المبادرة ان تُحقق هذين الهدفين.

كان ممكناً ايضاً للحريري بعد ان يؤكد المبادئ التي تضمنها خطابه ان يطلق مبادرة سمع اللبنانيون عنها ولم يسمعوها او لم يروها، فيعلن تعليق مناقشة سلاح حزب الله ودوره في سورية لأول حكومة بعد انتخاب الرئيس ويطلق الدعوة لوقف متبادل للحملات الاعلامية ويتقدم باقتراحات لصيغ وسطية لحلحة الخلافات في مجلس النواب حول سلسلة الرتب والرواتب وتشريع دفع الرواتب والاعلان عن استعداد فريقه لسحب مرشحه أي الدكتور سمير جعجع في مقابل سحب سائر المرشحين لبدء الحوار حول مرشح توافقي.

لو فعل الحريري ذلك فليس بالضرورة ان يكون النجاح مضموناً، فالظروف اللازمة للتسويات ربما لم تنضج بعد، لكن كان يمكن تسمية ما اعلنه بالمبادرة حينها، او يمكن القول انه ساهم جدياً في ترييح مناخات البلد وتنفيس الاحتقانات.

هل كان الحريري يعتزم تقديم خريطة طريق كهذه البنود أو مبادرة لكسر الجمود السياسي كما جرى التمهيد، وثمة من قرر سحب المبادرة لأن التوقيت غير مناسب؟

هل كانت مبادرة الحريري تتوقف على وقف النار في غزة؟

هل هناك من اعتبر أن فشل المبادرة المصرية صفعة وجهتها إيران للسعودية ولو أن تركيا وقطر في الواجهة وجاء الرد بإلغاء مبادرة الحريري؟

مصادر مطلعة على ما كان يدور حول غزة والشأن الإقليمي تؤكد ان مبادرة ما لحلحة الوضع في لبنان كانت قيد التداول وسحبت في اللحظة الأخيرة.

بالمحصلة فإن ما تحدث عنه الحريري في خطاب الافطار ليس مبادرة، بل اعلان واضح ان البلاد «معلقة على حبال الخطر» مما زاد القلق بدلاً من ان ينقصه لأن زمن التسويات لم يحن وزمن المبادرات ممنوع كما يبدو.