- يخوض الكثير من المحللين في المشهد السائد في المنطقة للتوقف أمام تمدّد «داعش» في العراق وسورية، ومشروعها الوحشي الطموح، للوصول إلى التشكيك بثبات النجاحات التي حققها الجيش السوري في معظم المناطق ونجاحه في استرداد العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة التي تنتسب في غالبها إلى مكوّنات «القاعدة»، كما اعترف الرئيس الأميركي بكلامه عن اليأس من تشكيل معارضة معتدلة مسلحة بعيداً من «القاعدة» والتطرف وصولاً إلى وصف هذا الهدف بالفانتازيا المستحيلة التحقق.

- المحللون نفسهم يتوقفون أمام مسلسل الجرائم الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» في فلسطين، وصولاً إلى ربط هذه الوحشية بالموقف الرسمي المصري الذي يرفض مراكمة اي عمل ديبلوماسي او سياسي أو أمني يصبّ في خانة قوى المقاومة في غزة، لأنّ المستفيد الرئيسي سيكون حركة حماس التي لا تربطه بها سوى حال العداوة على خلفية الصدام الوجودي مع «الإخوان المسلمين»، الذين لا تفصل حماس مصيرها عنهم ولا يفصلها الحكم في مصر عنهم أيضاً، بصورة راجت تحليلات تقول إنّ ما يجري في غزة هو ترجمة لقرار «إسرائيلي» – مصري مشترك لن يتوقف إلا بإنهاء وضع المقاومة في غزة تحت عنوان المصلحة المشتركة بالتخلص من حماس.

- النوع ذاته من المحللين يتوقف أمام ما يصفه بأكذوبة عودة العافية إلى حلف المقاومة، فيرى رفض حماس للمبادرة المصرية التي قبلت مثلها من قبل أيام حكم «الإخوان» لمصر، بالالتزام بتوظيف الحرب لرفع أسهم قطر وتركيا وفرض مكانتهم التفاوضية في مستقبل غزة وفلسطين وبالتالي المنطقة، ويؤسّس على برود تفاعل الشارع العربي مع ما يجري في فلسطين من جهة، وانشغال أطراف حلف إيران سورية وحزب الله في معارك أخرى من جهة أخرى، ليقول أن لا فرصة لتوظيف تفاوضي شامل لأيّ إنجاز في غزة تحققه المقاومة لتغيير في موازين العلاقة بين حلف المقاومة والحلف المقابل، لأنّ حلف المقاومة ليس الجهة التي ستوضع إنجازات المقاومة في رصيدها.

- يتجاهل المتشائمون أنّ «داعش» بلغت سقف ما يمكن ان تبلغ، ويجهلون ربما انّ المتغيّرات العراقية والسورية تسير عكس مشروعها، فالذي اختار الموصل عاصمة لخلافته وهي المدينة المتعدّدة دينياً وإتنياً، وهرب من تكريت التي يفترض انها عاصمته الطبيعية الى الموصل الواقعة في شمال الشمال العراقي، بينما تكريت في وسط الوسط، إنما يعبّر عن موازين القوى المحيطة بمشروعه، والذي ينقل مقاتليه من حلب إلى الرقة ودير الزور وهو يعلم انّ السيطرة على حلب لو كانت ممكنة هي شرعيته ومشروعيته، لنقائها الطائفي وصلاحها عاصمة لخلافته، إنما يعترف بمحدودية قدرة مشروعه على النمو والتقدم.

- يتجاهل المشتائمون أنّ الحرب على غزة خلقت دينامية جديدة بفشل المبادرة المصرية ومواصلة القتال، على رغم صحة الكثير من الكلام الذي قيل بشأن خلفيات حماس، وكذلك حول خلفيات الموقف المصري، فالديناميات الواقعية أقوى من النيات، فالأمر اليوم محدّد وفقاً لمعادلة أن ليس ممكناً وقف النار بغير إنجازات للمقاومة او هزيمتها، ولأن هزيمتها تعني تغييراً جيواستراتيجياً في المنطقة كلها بمعزل عن حماس وتركيا وقطر، فقد تبلور حلفان في المنطقة، حلف تركي – قطري يبحث عن حلّ يرضي السيد الأميركي الذي تحكمه هواجس المصالح «الإسرائيلية»، ما سيجعل هذا الحلف يعمل موضوعياً للضغط على المقاومة على تقديم الموافقة على حلول تختلف شكلياً فقط عن المبادرة المصرية، وحلف مقابل يمثله كلّ من سورية وإيران وحزب الله ومعهم حركة الجهاد الإسلامي وسائر فصائل المقاومة، يضغط لمصلحة شروط مناسبة للمقاومة ومشروعها ومراكمة إنجازاتها، وستضغط المواجهات والانتصارات على حركة حماس للاصطفاف لمصلحة تسوية تشبه تفاهم نيسان الذي فرضته المقاومة اللبنانية عام 1996 ومهّد للتحرير عام 2000.

- يتجاهل المتشائمون أنّ ما جرى في المشهد العراقي من تطورات سياسية أعاد الاعتبار للعملية السياسية التي ستحرم «داعش» من التغطية التي حازتها من قبل، فالانفصال الكردي سقط بالضربة القاضية وتمّ الاتفاق على تسمية مرشح لرئاسة العراق من التيارات الكردية، وتمّ انتخاب رئيس للبرلمان، وتمّ تخلي رئيس الحكومة نوري المالكي عن الترشح لولاية ثالثة في مقابل حقه بتسمية المرشح البديل من كتلته، وهذه العملية السياسية ستظهر نتائجها قريباً بالتزامن مع الزجّ بالقوة الجديدة للجيش العراقي، المُقدّرة بمئة ألف جندي جرى تطويعهم، ويتمّ إنجاز إعدادهم لدخول المعركة مع نهاية الشهر.

- يتجاهل المتشائمون أنّ الخطة «الإسرائيلية» السياسية لحرب غزة سقطت لمّا تبيّنت مفاجآت المقاومة في تمكين سلاح الصواريخ وقدراته من جهة، ولما فشلت محاولات ربط الحرب على غزة بالحرب على «داعش» في العراق، وخرج الشارع الأوروبي والأميركي تضامناً مع غزة، وعلى رغم كلّ الدعم الضمني لحكومة نتنياهو غربياً بدا واضحاً أنّ الحكومات عاجزة عن تجاهل شارعها وملزمة بمنح الأولوية لوقف الحرب، وليس بوصفها تتمة للحرب مع «داعش» و»القاعدة»، والتحرك بالتالي للوصول لتسوية ستحكمها قدرة غزة على الصمود وقدرة المقاومة على إنضاج «إسرائيل» بالمزيد من الخسائر العسكرية لقبول هذه التسوية بما يلبّي شروط المقاومة، وهي قدرة تظهر التطورات وجودها.

- يتجاهل المتشائمون معنى التفاهم الذي جرى في هذه الفترة بالتحديد لتمديد مدة التفاوض مع إيران لثلاثة شهور، وبيان الوكالة الدولية للطاقة عن التزام إيران بالتفاهمات وتطبيقها بدقة وأمانة، وما يعنيه الكلام الغربي عن أنّ التمديد او البيان إعلان ضمني عن إنجاز التفاهم والحاجة إلى الوقت لروزنامة تطبيقية متبادلة، يريدها الفريقان لرؤية كلّ منهما لالتزامات الفريق الآخر قبل منحه صك براءة وإعلان نهاية الصراع، لتشهد الشهور الثلاثة تطبيق هذه الالتزامات، وفي قلبها شروط مالية وسياسية وتقنية، لكن من ضمنها وفي قلبها ما يتصل بصناعة تسويات متعددة في المنطقة، تضمّ سورية والعراق ولبنان واليمن والبحرين.

- المتشائمون يسوّقون التشاؤم بحسن نية او بسوء نية.