في بداية كلمتكم، في البيال، بادرتنا يا دولة الرئيس بالقول: إشتقنالكم! بغصة ودمعة فتشاركنا معكم بهما. ففي الليلة الظلماء، حيث لا صوت يعلو فوق الأصوات النشاز، نشتاق إلى الهامات الكبرى التي تُعْلي الكلمة السواء!

اطلالتكم ومبادرتكم الوطنية، ضرورة في الظروف العصيبة الكئيبة. وسكبتم جرعة ماء نقي في الأرض اللبنانية العطشى. وعلى الجميع أن يتجاوب معها لإنعاش شجرة الإعتدال والشراكة الوطنية، الآخذة في الذبول بسبب الجفاف والحرائق المحيطة.

لم تشأ دولة الرئيس، وأنت إبن البيت العربي الأصيل، إلا أن تبدأ إطلالتك من نافذة النضال الحقيقي، من فلسطين، جُرح العرب النازف وقدس أقداس القضايا العربية. فأنت المتضامن صادقاً، لا بالشعارات فقط، مع أهل غزة الصامدين الصابرين. وأنت، كما والدكم شهيد لبنان الكبير، الرئيس رفيق الحريري رسل القضية العربية الحقيقية، تبذلون كل جهد لرفع صوت الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية. وها أنتم تطلقون الدعوة الى المجتمع الدولي، من أجل آلية فاعلة تحقق للشعب الفلسطيني أحلامه في دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. فبوركت جهودكم.

ولكن، يا دولة الرئيس، وفيما فلسطين رهينة المؤامرات الكبرى، يتعذّب لبنان لأنه رهينة لدى القوى الخارجية!

لقد صدقتم القول بأن اللبنانيين لا يحتاجون الى معجزة للوقاية من الإنهيارات، بل الى تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى. ومَن مثلكم ضنين على لبنان ودوره ومصيره. ومن مثلكم يستفيد من الإطلالات الشعبية لإطلاق مبادرات الخير؟

طرحكم خارطة الطريق لحماية لبنان، في توقيت شديد الدقّة، أي في اللحظات التي يدخل فيها لبنان ظرفاً دستورياً قاتلاً. فخلال أسابيع قليلة، سندخل مهلة الانتخابات النيابية، من دون أمل في اجرائها... فيما الانتخابات الرئاسية معلقة على المجهول، والحكومة والمجلس مشلولان تقريباً، والهامش يضيق أمام الانقاذ. والجميع يتخبط في الهواء. ومرة جديدة، أظهرتم أنكم أم الصبي.

أنتم على حقّ، ويدعمكم كل المؤمنين بهذا البلد، بأن رأس الحكمة اليوم يكون في انتخاب رئيس الجمهورية. وهذا أول بند في الخارطة. وبعد ذلك، تأتي حكومة على صورة الحكومة الحالية، تتعاون والرئيس على ادارة المرحلة. ثم يصار الى اقرار خطة وطنية لمواجهة الارهاب بكل أشكاله ومسمياته، وخطة طوارئ رسمية لمواجهة أزمة النزوح السوري. ويتم انجاز الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، مع التأكيد الواضح والجازم على ان كل اشكال التمديد للمجلس مرفوضة.

وأخيراً... جئتم باعلان مبادرة حقيقية ينتظرها الجميع، للاعتدال والحوار، وهي المبادرة العملية الوحيدة التي تملأ الفراغ اللبناني الخانق. واذا لم يتلقَّف السياسيون والمسؤولون هذه المبادرة، فإنهم سيضيّعون فرصة نادرة واستثنائية للانقاذ.

فأي وقت سيكون متاحاً لإصلاح ما يمكن اصلاحه، بعد منتصف آب المقبل مثلاً، أي عندما يدخل لبنان في العجز عن اجراء الانتخابات النيابية فيما هو غارق في العجز عن اجراء الانتخابات الرئاسية؟

ولذلك، رأس الحكمة السياسية يكمن في الاستجابة لطرحكم، وانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد كما قلتم.

في بضع كلمات، أصبتم الجرح النازف يا شيخ سعد، من خلال أسئلة واقعية حول ما يمكن ان ينتظرنا من تعقيدات دستورية تفاقم التعقيدات القائمة حالياً. والأسئلة لا تتعلق فقط ب من سيجري الاستشارات النيابية ويُصدر المراسيم لتأليف الحكومة المقبلة، بل أيضاً: مَن مِن النواب سينتخب رئيساً لمجلس النواب، وهو غير قادر على انتخاب رئيس للجمهورية؟ وسيكون التحدّي أمام الجميع:

هل يستفيق النائمون ويدركون كم سيدفع لبنان من إثمان جراء مناحراتهم، كيدياتهم ومصالحهم الفئوية؟

وفوق ذلك، فليس عادياً في زمن التطرف والإنغلاق أن يقرع القطب السنّي الأول والأقوى بامتياز، جرس الانذار عينه الذي يقرعه سيّد بكركي نفسه، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، اذ يقول: حذار اعتياد اللبنانيين على غياب الرئيس وصورته ودوره ومسؤوليته. وحذار تغييب الرمزية التي يشكلها الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الاسلامي والعربي. فهذا طعنٌ في أساس الصيغة التي قام عليها لبنان وتوافق عليها اللبنانيون.

لقد وضعت كل طاقم السياسيين والمسؤولين أمام التحدّي:

هل هم مستعدون لتلقّف المبادرة الانقاذية، قبل أن يندم الجميع في الوقت الذي لا ينفع فيه الندم، أم ان بعضهم بدأوا يشحذون السيوف للتجريح فيها... لغايات سياسية معتادة، ولا مشكلة عند هؤلاء إذا كان البلد سيعيش أم سيموت.

وتلتقي مبادرتكم يا شيخ سعد مع تحذيرات دولة الرئيس نبيه بري، قبل يومين، من اننا سنقع في المحظور إذا جاء منتصف آب، ولم نستطع انتخاب رئيس للجمهورية. وتساءل: لم أعد أعرف ماذا يفعل هذا المجلس. لا هو ينتخب رئيساً للجمهورية، ولا يجتمع للتشريع، ولا يراقب أو يحاسب. فماذا يفعل النواب سوى ان يقبضوا الرواتب؟

في أي حال، آملين ان تبدأ الحوارات والمشاورات الشاملة. عندئذ، سيكونون أمام الامتحان الوطني بالتجاوب أو عدمه. وعند الامتحان، يُكرم المرء أو يهان.

أسعدتنا لقولكم الكلمة السواء في اللحظة الوطنية الأكثر حراجة. لقد اشتاق اللبنانيون الى هذا الكلام الذي يذكّرهم بوالدكم، الشهيد الكبير، الرئيس رفيق الحريري الذي أطلق قاعدتين ذهبيتين يمكن ان يستريح عليهما البناء الوطني اللبناني، راسخاً شامخاً، من جيل الى جيل، وهما:

1- ما حدا أكبر من بلدو أي لبنان أولا

2- نحن وقفنا العد اي التمسك بالمناصفة خياراً نهائياً وثابتاً.

انهما قاعدتان ذهبيتان للولاء والانتماء. في الأولى، أولوية ولاء الجميع للوطن، أي احتضانهم له دون سواه. وفي الثانية أولوية انتماء الجميع للدولة، اي احتضانها لهم جميعا على السواء.

وليكن شهر رمضان المبارك شهراً فضيلاً تنفتح فيه القلوب وتتصافى أمام الله والوطن والأخ في المواطنية. فذلك هو العمق الانساني والروحي للأعياد كلها. وكل عام ولبنان ودولتكم وشعبه الطيِّب الصابر بألف خير وبركة.