ما بين السعي الإسرائيلي إلى ابرام صفقة مع بعض الدول العربية حول غزة، ورفض المقاومة الفلسطينية لأي حديث عن وقف اطلاق نار غير مشروط بفك الحصار عن القطاع المحاصر منذ زمن طويل، تقف المفاوضات النووية الأميركية الايرانية التي تأجلت إلى تشرين المقبل من دون أن تتوقف على الاطلاق بعد أن أفرجت واشنطن عن دفعة جديدة من الأصول الإيرانية المجمدة لديها، في مشهد يوحي وكأن ما يحصل في هذا الوقت هو عملية تدوير زوايا بين الدولتين، بيد أن التقارير والمعلومات تؤكد أن ما حصل ويحصل في الجرود الفاصلة بين لبنان وسوريا من معارك ضارية تتسم بالحسم لمصلحة محور سوريا المقاومة، معطوفاً على احداث غزة وسيل الصواريخ الايرانية والسورية التي تطلقها المقاومات الفلسطينية المتعددة من دون توقف على المناطق الاسرائيلية، هو رد ايراني مباشر على تحريك واشنطن لجيش "دولة الاسلام في العراق والشام "داعش" للضغط على طهران والمحور الذي تنتمي اليه للحصول على مكاسب سياسية واقليمية تتعلق بثروات الخليج النفطية والدور الايراني كشرطي للخليج، استناداً إلى أحجام وأوزان الدول العربية مع ضرورة الاخذ بالاعتبار المصالح الأميركية والاسرائيلية في المنطقة العربية برمتها.

في هذا السياق، يربط تقرير دبلوماسي غربي بين تأخير التوقيع النهائي على الملف النووي الايراني وانفجار الوضع في غزة، فواشنطن التي حاولت استغلال الانفتاح الايراني ومقايضته بتمرير مشروعها الشرق الأوسطي المتضمن وفق المتداول خريطة جديدة تسقط مفاعيل المعاهدات الدولية السابقة وتعيد رسم موازين نفوذ عالمية جديدة، كما تدفع بروسيا لأجراء عملية خلط أوراق جديدة، بعد أن تمكنت من اقتسام النفوذ والثروات مع الغرب في البحر المتوسط، من خلال تثبيت قاعدتها العسكرية في ميناء طرطوس، ومن بعدها التوقيع على عدد من الاتفاقات التجارية مع سوريا وتركيا وايران، في معادلة جديدة تعيدها إلى الخريطة الاقتصادية العالمية، في ظل العولمة التكنولوجية والصناعية المستندة بكل مفاصلها ومحطاتها إلى الطاقة واستهلاكاتها واقتصاداتها، بيد أن ترحيل التوقيع على الاتفاق لم يكن مفاجئاً لأي من الدول المشاركة أو المتابعة لتفاصيل المفاوضات، خصوصاً الثنائية بين واشنطن وطهران، وهي مفاوضات تتشعب إلى أبعد من النووي وتعقيداته، في ظل ادراك أميركي أن المطلوب من طهران في هذه المرحلة هو تشكيل رأس حربة الحرب على الارهاب التكفيري، فضلاً عن اعادة صياغة علاقاتها بدول الجوار لا سيما تركيا، التي أصبحت على وشك انهيار سياسي واقتصادي لولا السماح لها بشراء النفط من "داعش" بقيمة 12 دولارا للبرنت الواحد ومن ثم بيعه في السوق السوداء بنصف الثمن المحدد من منظمة "أوبيك"، وهذا كله يبدو من ضمن الاتفاق وتفاصيله أقله في هذه المرحلة التي تحتاج إلى اعادة الوزن الأمني ليس فقط للدول الاقليمية بل للمنظومة الدولية برمتها .

ويتوقف التقرير عند أحداث غزة، فيعتبر أن هناك أكثر من "قطبة مخفية"، فالمنطق الأمني المتحكم بالعالم يقوم على شبكات التجسس المتخصصة المدعومة بتكنولوجيا متقدمة للغاية، وبالتالي فإنه من غير المنطقي الاعتقاد بأن المقاومة الفلسطينية حصلت على كل هذه الصواريخ والتدريبات من دون أن يكتشفها أي جهاز استخباراتي أو أي قمر اصطناعي مخصص للتجسس وهي تتحكم في المنطقة والعالم، وبالتالي فإن عمليات التسليح برمتها تطرح أكثر من علامة استفهام، في ظل حقيقة معروفة وهي أن أنظار العالم والمخابرات الدولية مسلطة بالكامل على سوريا وايران، ما يجعل من الاعتقاد السائد بأن شيئاً لم يأت من الفراغ مشروعاً بالكامل، ما يعني بحسب التقرير أن النتائج النهائية لعمليات غزة والقلمون معقودة اللواء على تدوير الزوايا الايرانية الأميركية.