- من ذات الموقع الذي يربطني بتاريخ حركة حماس كحركة مقاومة منذ عام 1990 وبمؤسسها الشهيد الشيخ أحمد ياسين، وبالشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي منذ أيام مرج الزهور، وما كان بيننا من لقاء حول فكرة المقاومة كخيار وثقافة، خاطبتك قبل عامين أثناء الحرب على غزة متمنياً ألا توظف تضحيات المقاومين والشعب الفلسطيني لإعلاء كلمة نظام عربي أو إقليمي بغير مقياس خدمته وانتمائه لخيار المقاومة، خشية أن توضع انتصارات المقاومة في رصيد أنظمة حكم لا يربطها بفلسطين والمقاومة سوى أنها تساند جماعة الإخوان المسلمين في صراعاتها لاستلام الحكم في أكثر من ساحة عربية وإقليمية، وهي الجماعة التي تتحدر منها حركة حماس، كنظام محمد مرسي في مصر ونظام آل ثاني في قطر ونظام العدالة والتنمية في تركيا، بينما الموقع الفعلي لهذه الأنظمة من فلسطين والمقاومة ترسمه طبيعة علاقاتها بواشنطن وتل أبيب، وحذرتك من موقع الحريص من أن تثبت حركتك خروجها من محور المقاومة الذي كانت ركناً أساسياً فيه بالتحالف مع حزب الله والدولة السورية والجمهورية الإسلامية في إيران، وهو حلف لا يجمع أطرافه لا أيديولوجيا ولا مصالح ولا تشابه أهداف سوى الانخراط الصادق في الصراع مع إسرائيل ومشروع الهيمنة الأميركية الذي تشكل إسرائيل رأس الحربة فيه، لأن تكريس الخروج من هذا الحلف هو إسقاط لفكرة أولوية فلسطين كبوصلة والمقاومة كخيار، وإحلال معايير حزبية وفئوية وأيديولوجية مكانها، لتصير فلسطين والمقاومة مجرد أدوات لتحسين الموقع في الصراعات التي تخاض من أجل أهداف أخرى، وبهذا ستسقط حماس من موقعها كحركة مقاومة لتنضم عضواً مراقباً في نظام عربي إقليمي يبيع ويشتري بفلسطين.

- من هذا الموقع نفسه، لكن بعدما شهدت المنطقة تطورات كثيرة تدعو للمراجعة، أبرزها ما جرى في مصر وما جرى في سورية، حيث صار تمسك حماس بالمشروع الإخواني قرار حرب على دولتين وشعبين وجيشين هما تاريخياً سندا فلسطين وشريكاها في تحقيق الإنجازات، حاولت وما زلت مع عدد من قادة المقاومة الفلسطينية ومنهم عدد من كوادر حركة حماس بناء جسر عبور لحماس لاستعادة العافية لحلف المقاومة، على قاعدة ليس المعيار فيها موقف فئوي أو حزبي أو سياسي، بل فلسطين والمقاومة، بعيداً عن العناد والكيدية، فالدوحة ليست عاصمة المقاومة ولا أنقرة، والغارات الإسرائيلية خلال أعوام خصومة حماس مع دمشق كرمى لعيون من أسمتهم حماس قادة الشعب السوري وثورته، كانت تستهدف دمشق من دون سواها ولحساب الثورة التي أعجبت بها حماس من دون سواها، وهي دمشق ذاتها التي ما بخلت على المقاومة وعلى حماس خصوصاً بالغالي والنفيس، بل هي دمشق التي وقف رئيسها أمام كولن باول بعد سقوط بغداد ليرفض التفاهمات التي حملها لتجنيب سورية الاستهداف، ولها عنوان واحد هو خروج حماس من دمشق، وهو الخروج الذي تحققت فيه أمنية باول لكن بقرار من حماس لما توهمته ثورة الشعب السوري، التي كان يقودها تلامذة باول، بقيت دمشق وبقي رئيسها وهو رئيسها نفسه الذي في خطاب قسمه من دون سواه من رؤساء وملوك وأمراء يقسم على أن فلسطين ستبقى البوصلة والمقاومة الخيار.

- من هذا الموقع نفسه أخاطبك أنت وإخوتك ورفاقك في قيادة حركة حماس، لأقول لكم كم نحن فخورون بإنجاز المقاومة البطلة في غزة، وفي طليعتها قوات القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وكم نشعر بعظمة الإنجاز والإعجاز، وكم تنفطر قلوبنا لعظيم تضحيات شعبنا في غزة، وكم ندرك بالمقابل أن ما تنجزه المقاومة من انتصارات تاريخية سيستجلب عليها ضغوطات من الأقربين لصناعة تسوية تخرج إسرائيل من مأزقها، وأن الصراعات التكتيكية بين أنقرة والدوحة والقاهرة والرياض سرعان ما تذوب عندما يحضر الأميركي على الطاولة بأولوية وحيدة، ينقلها بصيغة التعليمات، «الأولوية لأمن إسرائيل» وهذا ما كانت عليه الحال عام 2012 وأنتج الاتفاق المهين بحق المقاومة يومها، وكي لا يتكرر ما حدث ويصير صمود المقاومين وتضحيات شعبهم، وانتصاراتهم، مجرد أوراق ضغط لتحسين مكانة الدوحة وأنقرة في المشهد الإقليمي، مقابل استخدام نفوذهما على حركات المقاومة وفي طليعتها حركة حماس، لقبول ما كان بالأمس مرفوضاً، أي ما هو دون فك الحصار عن غزة الذي كان عنوان رفض المقاومة للمبادرة المصرية.

- من هذا الموقع نفسه أخاطبك، أنت وقادة المقاومة في حماس والجهاد، داعياً لخطوة سياسية إستراتيجية تليق بتضحيات المقاومين وانتصاراتهم، وتجعلها هذه التضحيات والانتصارات، ممكنة وقادرة على تغيير المعادلات، إنها اللحظة المناسبة للإعلان عن عودة حلف المقاومة خندقاً نضالياً وسياسياً وقتالياً يمتد من جنوب فلسطين وجنوب لبنان إلى دمشق وطهران، بوصلته فلسطين وخياره المقاومة، من دون أن تتضمن الدعوة تفريطاً بعلاقاتكم وصداقاتكم الأخرى التي كانت موجودة دائماً، لكن للقول للذين يراهنون على أن المقاومة ستقع تحت الضغوط إنها ليست في مأزق، وكيري يحط رحاله في المنطقة، وللقول لشعب فلسطين إن قيادة المقاومة لا تضع رصيد التضحيات والانتصارات إلا في حساب فلسطين والمقاومة، وإنها تعرف كيف تغير قواعد اللعبة في التوقيت المناسب وتتخذ العبر والدروس مما مضى وتملك شجاعة الإقدام في السياسة بمثل ما يمتلكها المقاومون في الميدان، والأمر لا يحتاج لأكثر من تفويض من لا ينتظر تفويضاً ليضع كل ثقله لإنجاز أعلى درجات التكامل بين أطراف هذا الحلف المقاوم، وهو الذي سيطل لأجل فلسطين في يوم قدسها بعد أيام قليلة، سيد المقاومة وقائدها، السيد حسن نصر الله.

- المعجزات المحققة في الميدان بأيدي المقاومين، والنقلات الإستراتيجية العسكرية التي أنجزوها بعبقرية قادة عظام، يسبقون بإعجازهم وإنجازهم كبار قادة الحروب، الذين كتب عنهم التاريخ، تستحق أن تلاقيها معجزات ونقلات إستراتيجية سياسية تعبر عن إعجاز وأهلية وعبقرية وشجاعة يقدم عليها القادة السياسيون، ليغيروا قواعد الصراع السياسي، كما تغيرت قواعده العسكرية.

- التاريخ يكتبه الأقوياء… والحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا الضعفاء.