أقل ما يمكن المراوحة السياسية المستمرة منذ عامين أن تنتجه هو التمديد للمجلس النيابي مرة أخرى. «الحجة الدستورية» لذلك جاهزة. ما يمكن اللبنانيين أن «يتسلّوا» به، عشية اجتماع ممثليهم ليمددوا لأنفسهم، هو أن «يحزروا» المدة الزمنية الإضافية التي يتوقع أن يهدرها سياسيوهم من عمرهم: عاماً، أم عامين أم أكثر؟

غسان سعود

مرت على الخيمة «المنصوبة» على درج المجلس النيابي أكثر من أربعة عشر شهراً. عصفت الرياح بمن فيها وبللتهم الأمطار وضربتهم الشمس. يلتقط السياح لها الصور، معتقدين أن من في داخلها هيبيين معارضين للعولمة أو أبناء للسيدة المعتصمة في خيمة قبالة البيت الأبيض منذ أكثر من ثلاثين عاماً احتجاجاً على ظلم الولايات المتحدة لشعوب كثيرة في العالم. لكن التدقيق في الوجهين المختبئين خلف اللحيتين والشعر الطويل، يظهر أنهما ــــ ما غيرهما ــــ النائبان جورج عدوان وسامي الجميّل اللذان ينامان هنا التزاماً بتعهدهما يوم التمديد للمجلس النيابي النوم على درج المجلس حتى إقرار قانون انتخابي جديد قبيل انتهاء مدة التمديد.

هلوسات؟ نعم. على غرار هلوسات المعتقدين بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 أن المؤسسات الدستورية ستباشر أخيراً القيام بعملها وستحصل انتخابات نيابية ورئاسية واستشارات حكومية حقيقية، لا مسرحية. لا تكاد تدخل المبنى المخصص للجان النيابية ومكاتب النواب حتى تكتشف أن ما من أحد من النواب يفكر في أن مغادرته مكتبه وتسليمه نمرته الزرقاء أمر وارد، ولو بنسبة واحد في المئة. من مكتب إلى آخر في دوائر الطبقات السبع، تتكرر علامات التعجب نفسها على وجوه النواب لدى سؤالهم عن قانون الانتخابات أو حتى عن إجراء الانتخابات من أساسها، وتطول النظريات. هذا يربطها بالتسوية الموعودة، شارحاً أن الصناديق التي أتت به ليست نتاج تصويت اللبنانيين، بل انعكاس للأوزان السياسية كما حُدّدت في الاتفاق الرباعي ثم في اتفاق الدوحة. وآخر يعلقها فوق الأوضاع الأمنية، متوقعاً أن توقع بعض الصواريخ قريباً قانون التمديد على غرار صواريخ العام الماضي التي عادت إلى مخازنها بمجرد توقيع النواب القانون. التمديد بحد ذاته أمر محسوم لا مجال للبحث فيه. لعل السؤال هو عن مدته: عام ونصف عام أم ثلاث سنوات؟

يقول أحد نواب كتلة المستقبل إن التمديد السابق للمجلس النيابي سبقه تمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ولقائد الجيش جان قهوجي، وكان يفترض أن يتبعه تمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان كما صرح علانية البطريرك بشارة الراعي أخيراً، في ظل التمديد الدائم لقانون الدوحة الانتخابي. فالأوضاع الإقليمية الممدد لها، لا تتيح، بحسب المصدر المستقبلي، إجراء ولو تعديلاً طفيفاً في التوازنات القائمة على مستويات الحاكمية والقيادة ورئاسة الجمهورية؛ فكيف الحال مع المجلس النيابي وهو مصدر كل هذه السلطات. وبغض النظر عن مواقف المزايدين؛ التمديد حتميّ: سيُخرج الرئيس نبيه بري من قبعة النائب نقولا فتوش الفتوى المناسبة. يشير النائب البيروتيّ إلى اتكال بري سابقاً على زميلهم بهيج طبارة لانتخاب ميشال سليمان رئيساً من دون تعديل المادة 49 من الدستور التي تنص بوضوح على وجوب استقالة قائد الجيش قبل عامين، فيما هو يتكل اليوم على الطابع الدستوري للغة فتوش.

«الأمليون» يفضلون عدم الخوض في التفاصيل. لم ينس الرئيس بري، بحسب أحد هؤلاء، مناداة المستقبليين بالتمديد داخل غرف بري المقفلة وعكسه خارجها. ولم يهضم بعد تحميله مسؤولية التمديد السابق، وهو بدأ يلاحظ توجه القوات اللبنانية إلى تحميله وحزب الله مسؤولية التمديد المقبل. وبناءً عليه، يتصرف وكأن الانتخابات حاصلة في موعدها. ولعل النائب وليد جنبلاط يحمل عن صديقه عبء المجاهرة بوجوب التمديد في ظل تفرد الأخير، بين رؤساء الكتل النيابية، بعدم المبالاة بردود الفعل الشعبية على مواقفه. وإن كانت مصادر الاشتراكي تجزم بأن زعيم المختارة هو الوحيد الذي يناسبه إجراء الانتخابات في موعدها، لأن هذا يعني حصولها وفقاً لقانون الستين الأنسب بالنسبة إلى لوائحه الانتخابية من كل الاقتراحات المتداولة، ويكرس حفاظه بالتالي على وزنه السياسيّ أربع سنوات إضافية بغض النظر عما ستحمله التطورات الإقليمية من تحجيم للقوى السياسية.