يبدو أنّ البعض لا يتّعظ من التجارب والأخطاء التي يمرُّ بها، فيزيد غيّاً وارتكاباً للمزيد من الأخطاء، التي قد تكون قاتلة...

هذا هو واقع الحال الذي يُمكن أنْ ينسحب على إمام «مسجد بلال بن رباح» في عبرا – شرقي صيدا، المتواري عن الأنظار الشيخ ​أحمد الأسير​، الذي برز كظاهرة سريعة، لكن سرعان ما تحوّل من شاغل للناس على مدى أكثر من ثلاثة أعوام، إلى طريد فارٍّ ومتوارٍ عن الأنظار، ومكتفياً بالتغريد على «تويتر»...

لا شك في أنّ ظاهرة الأسير، لم تكن وليدة صدفة، بل كانت نتيجة تراكمات متعدّدة، استفاد منها، وعرف كيف يستقطب الشباب المتحمّس تحت جملة من العناوين، وفي غالبيتها التركيز على النعرات الطائفية والمذهبية، خاصة ضد «حزب الله»، حيث وجد مَنْ يؤيّده ويناصره، ليس في منطقة عبرا وصيدا فقط، بل في مختلف المناطق اللبنانية، لأنّ العديد من الشباب المتحمّس وجد ضالّته في الشعارات التي أطلقها الأسير...

لكن الأمور تطوّرت، وأضحى مَنْ يقدّم وروداً إلى الجيش اللبناني، يعطي أمراً بالاعتداء على ضبّاطه وجنوده، حيث كانت جريمة الاعتداء على حاجز الجيش (الأحد 23 حزيران 2013) الضربة القاصمة، التي كانت قد سبقتها سلسلة من الأحداث الأمنية بين «مجموعة الأسير» و«سرايا المقاومة» التابعة لـ «حزب الله»، أدّت إلى سقوط عدد من الضحايا في صيدا، وإيجاد حالة من الرعب والهلع والخوف في المدينة، انعكست سلباً عليها وعلى الجوار...

وارتفعت وتيرة الإشكالات، خاصة في محيط «مسجد بلال بن رباح» – عبرا، بين مناصري الأسير وعناصر من «سرايا المقاومة» التابعين لـ «حزب الله»، الذين كانوا يُقيمون في شقّتين في محيط المسجد، وهو ما اتخذه الأسير عنواناً للعمل على تحرير الشقتين، حيث وقعت اشتباكات مسلّحة بين الطرفين، استُخدِمَتْ فيها مختلف أنواع الأسلحة، وأدّت إلى سقوط جرحى وأضرار مادية في صفوف الأهالي، الذين ترك الكثير منهم منازله، أو باعها بأبخس الأثمان...

وأمام الظاهرة الجارفة للأسير، والتجاوب مع الشعارات التي كان يطرحها، وتدغدغ هواجس الشباب المندفع، قام بسلسلة من التحرّكات منها: قطع طريق «بوليفار الدكتور نزيه البزري» – الجهة الشمالية للمدينة، بتنفيذه اعتصاماً (بين 27 حزيران 2012 و 1 آب من العام ذاته)، واضعاً جملة من المطالب، وهو يعرف مُسبقاً أنّه لا يُمكن تحقيقها في تلك المرحلة، ومنها سحب سلاح «حزب الله»....

ولكن، بعد تنامي ظاهرة الأسير، بدأ قصفه داخل الطائفة السنية، وتحديداً باتجاه «تيار المستقبل»، تنفيذاً لـ «أجندات خارجية»، والتي عاد إلى نغمتها في الآونة الأخيرة، حيث طُرِحَتْ جملة من التساؤلات عن أسباب وأهداف ذلك، وما الذي يريده الأسير في هذه المرحلة من مخبئه، بعدما تجاوز الخطوط الحمر، بأعمال وأفعال في منطقة صيدا عادت بنتائجها السلبية ليس على مناصريه فقط، بل على المدينة والعلاقة مع الجوار، وهو ما احتاج جهوداً جبّارة من أجل إعادة اللُحمة وتوطيدها وتعزيزها...

لم تكن ظاهرة الشيخ أحمد الأسير وليدة الصدفة، بل جاء بروزها والإعلان عنها بشكل علني، قبل 3 أعوام في لحظة دقيقة وحسّاسة، خاصّة أنّ الأسير استطاع الولوج إلى جماعة «الدعوة والتبليغ»، التي تؤمن بالتوعية، وتتبع الإقناع سبيلاً للالتزام الديني، وذلك من خلال الزيارات والكلمة الطيّبة والخروج من أجل الدعوة، حيث تمكّن خلال فترة وجيزة من أنْ يصبح المحور الرئيسي في هذه الجماعة، التي كانت قد أسّست في العام 1998 «مسجد بلال بن رباح» في عبرا – صيدا، بجهود شخصية وتبرّعات ذاتية، حيث كان يتردّد العديد من سكان المنطقة على المسجد، قبل أنْ يرتفع عدد المصلين في الأوقات الخمسة والمناسبات ومن خارج المنطقة المحيطة إلى مختلف أنحاء المدينة، وما هو أبعد من ذلك.

ومع محاولات الأسير والدائرة الضيقة المقرّبة منه الاستئثار بقرار الجمعية، بدأ العديد من الخيّرين الرئيسيين في الجمعية الابتعاد، لأنّ ما يقومون به كان عبر الكلمة الطيّبة والعمل الخيّر، ولا يريدون إدخال السياسة إلى نشاطهم، لكنّه استطاع وبفعل مساعدة عدد من مناصريه، السيطرة على المسجد، الذي أصبح، خاصة بعد تنامي حالته، واكتظاظ المصلين إلى خارجه، عبر استخدام محيطه لأداء الشعائر الدينية، مربّعاً أمنياً، بعد أنْ اتخذ الأسير وعدد من المقرّبين منه من المبنى المقابل للمسجد مكاناً للسكن، قبل النجاح بتمدّد حالته واستمالة عدد من خطباء المساجد في المدينة، الذين أصبحوا يناصرونه ويأتمرون بتعليماته.

كيف تمدّد الأسير؟

مع تطوّر حالة الأسير كانت العناوين العريضة له، هي الدفاع عن أهل السُنّة، وإعادة الحقوق المسلوبة إليهم، وهو ما أوجد حالة تعبوية لدى الشباب المتحمّس، الذين وجدوا ضالّتهم في هذه الشعارات، فأخذوا يتوافدون إليه من مختلف المناطق، التي زارها لاحقاً، وأقام فيها مناسبات واحتفالات حاشدة، قُدّر المشاركون فيها بين المئات والآلاف، وأصبح من لديه قضية يتوجّه إلى الأسير، الذي سرعان ما يتلقّفها ويبادر إلى حملها والإعلان عنها، دون أنْ يستطيع أحد مواجهته أو الحد من جنوحه، فأصبح يهاجم يُمنة ويساراً، وينتقد ويتهجّم على مسؤولين ووزراء وقضاة وضبّاط في الجيش والقوى الأمنية، دون أنْ يتجرّأ أحد منهم على مواجهته، بل وصل به الأمر بالدفاع عن مناصريه الذين اعتدوا على القوى الأمنية وضبّاط وعناصر من الجيش اللبناني مراراً وتكراراً، وفي بعض الأحيان كانت على مرأى ومسمع منه شخصياً!.

ومردُّ ذلك إلى جملة من الأسباب، في مقدّمها:

- أنّ البعض لا يريد أنْ يحتكَّ بالأسير، حتى لا يستغل ذلك لتحقيق مآرب بأنّه مستهدف، وأنْ القضاء والقوى الأمنية توقف مناصريه دون غيره فقط.

- أنّ اتصالات كانت تُجرى مباشرة ومن قِبل مسؤولين (ليس المجال الآن لذكر الأسماء)، والجهات التي كان يتّصلون بها، بأنّ الأسير «مضمون» و«تحت السيطرة».

- الخشية من إقدام مناصري الأسير على القيام بتحرّكات استجابة لمطالبه، إذا ما تم توقيف أحد الأشخاص، بعدما أصبح يتمتّع بنفوذ في مختلف المناطق، خاصة السنيّة.

- أي أن التعاطي مع ظاهرة الأسير كانت تتم دون حسم بل معالجة الأمور بـ «المسكنات».

انطلاقاً من ذلك، فإنّ الأسير، ومع الأحداث في سوريا، بدأ يرفع من لهجته وتهديداته ووعيده، خاصة بعدما تم تأمين خط إمداد له من قطر عبر بعض الأشخاص، وهو ما تعزّزت تغذيته مع تقرّب الفنان المعتزل فضل شاكر منه، ما أغدق عليه الأموال، التي تجاوزت الساحة اللبنانية إلى العديد من الداعمين، وأيضاً كانت تصل كميات كبيرة من السلاح كهبات (وإنْ باع بعض المقرّبين منه إياها لمناصريه)، وأخفقت بعض الصفقات التي حصل تجار السلاح على الأموال، لكنهم سلّموه أسلحة منتهية الصلاحية، أو ليست بذات القيمة الحقيقية للصفقة.

بين بري وعين الحلوة

وبعد سلسلة من التحرّكات في مناطق متعدّدة، أثارت البعض منها إشكالات واعتراضات، وكادت أنْ تُحدِث فتنة قبل تسوية الأمور، كان اعتصام الأسير الشهير على «بوليفار الدكتور نزيه البزري» – البوليفار الشرقي لمدينة صيدا، الذي استمر لفترة من الزمن، قبل أنْ يُزيله، بعدما رفع جملة من المطالب ومنها سحب سلاح «حزب الله»، لكن العديد من هذه المطالب لم يتحقّق على أرض الواقع، فكانت محاولات لإقناعه بفك الاعتصام، لكنها لم تثمر إلا بعد الاجتماع الذي عقده مدير مكتب الرئيس نبيه بري في عين التينة أحمد بعلبكي مع وفد «القوى الإسلامية» في مخيّم عين الحلوة، الذي تمثّل بـ: الشيخ جمال خطاب (الحركة الإسلامية المجاهدة) والشيخ أبو طارق السعدي والشيخ أبو شريف عقل (عصبة الأنصار الإسلامية)، في مكتب رئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد علي شحرور في «ثكنة الشهيد محمد زغيب» في صيدا، حيث نقل إليهم بعلبكي تحيات الرئيس بري، وطلب منهم المساعدة في إنهاء اعتصام الأسير، فتوجّه وفد من «القوى الإسلامية» لملاقاة الأسير، الذي أقنعوه بضرورة فك الاعتصام (وكان موعدهم مساء الخميس 26 تموز 2012)، لكن حصل إشكال بين مناصري الأسير وعناصر من «التنظيم الشعبي الناصري» ما أدى إلى تأجيل الموعد، الذي تقرّر لاحقاً، وعندما أنجزت ورقة «القوى الإسلامية» التي كانت ستسلّم إلى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي (صباح الإثنين 30 تموز 2012)، عزف الرئيس ميقاتي عن استقبال الوفد الفلسطيني، وتولّى أحد المقرّبين من الطرفين نقلها وتسليمها إلى أحد المقرّبين منه، حيث تمّت الموافقة عليها، وفك الأسير اعتصامه صباح الأربعاء 1 آب - أي في ذكرى عيد الجيش اللبناني، تقديراً له.

بعد هذا الاعتصام سُجّلت العديد من الحوادث والإشكالات، وكان أبرزها الإشكال الذي وقع بين الأسير ومناصريه مع «سرايا المقاومة» في منطقة تعمير عين الحلوة (الإثنين 12 تشرين الثاني 2012)، الذي قُتِلَ خلاله إثنان من مرافقي الأسير هما المهندسين علي سمهون ولبنان العزي، اللذان جرى دفنهما في «دوّار الكرامة» عند مدخل الاعتصام الذي كان يُقيمه (الإثنين 12 تشرين الثاني 2012)، وصدرت مذكرات توقيف وبلاغ بحث وتحرٍ بحق العديد ممَّن شاركوا في هذه الاشتباكات التي قُتِلَ فيها أيضاً الفتى المصري مصطفى الشربيني وجُرِحَ آخرون.

لكن اللافت أنّ الأسير الذي كان سابقاً يتحدّث عن أنّ الجيش خط أحمر، أصبح يدعو أبناء الطائفة السنيّة في الجيش إلى الانشقاق، والتحريض على ترك المؤسّسة العسكرية، التي انصهر فيها الجميع في بوتقة واحدة، وأكدت بفضل القيادة الحكيمة لقائد الجيش العماد جان قهوجي أنّها على قدر المسؤولية في الملمات جميعاً، مواجهة للعدو الصهيوني، وتفكيك شبكات التجسّس، وضرب الإرهاب، وإغاثة المواطنين ومساعدتهم، وحفظ الأمن والاستقرار في البلد في ظل حالة التشرذم والانقسام السياسي الذي انعكس على أرض الواقع.

وبين مساعي التهدئة والتوتير، كان الاشتباك الذي وقع بين مناصري الأسير و«سرايا المقاومة» في محيط «مسجد بلال بن رباح» (الثلاثاء 18 حزيران 2012)، الذي استُخدِمَتْ فيه مختلف أنواع الأسلحة، وأوقف القصف بعد وساطة قام بها مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان وعدد من المعنيين، والذي خاطر تحت زخّات الرصاص بمؤازرة القوى الأمنية، وانتقل إلى «مسجد بلال بن رباح»، حيث تم التوافق على إجراء اتصالات لسحب فتائل التفجير.

وبعدها بأيام أعلن الأسير عن أنّ هناك 3 خيارات بشأن شقّتَيْ «سرايا المقاومة» في محيط «مسجد بلال بن رباح» هي:

- إما إزالتهما من قِبل المسؤولين عنهما.

- أو نقل المسجد من مكانه.

- أو الحسم العسكري.

الأسير يتخذ قراراً بالاعتداء على الجيش

وفيما كانت الاتصالات تُجرى من أجل العمل على إيجاد مخرج، عُقِدَ اجتماع ظهر يوم الأحد بين المفتي سوسان ورئيس «كتلة الوفاء للمقاومة النيابية» النائب الحاج محمد رعد في فيلا الحاج محمد كوثراني في مجدليون، حيث طغت الأجواء الإيجابية على الاجتماع، الذي كان من المنتظر أنْ يُعطي ثماره!

ولكن بعد دقائق قليلة من هذا الاجتماع، كان الجيش اللبناني يُقيم نقطة له في منطقة عبرا، حيث حصل تلاسن مع عدد من مناصري الأسير، الذين رفضوا الانصياع لتفتيش سيارة كانوا يستقلونها، بعدما عُثِرَ بداخلها على عصي وآلات حادة، ولما أًبلغ الأسير بذلك، طلب منهم إزالة الحاجز بالقوّة، وضُبِطَتْ تسجيلات عمّا قاله، حيث جرى إطلاق الرصاص على نقطة الجيش اللبناني فاستشهد ضابطان وعسكري وجرح آخرون، عندها كان قرار قيادة الجيش التعامل بالمثل، خاصة أنّ الأسير رفض تسليم مطلقي النار، فحصلت معركة، وجرت وساطات من أجل تسوية ما، لكن كان هناك إصرار على أنّ اليد التي تمتد إلى الجيش يجب أنْ تُقطع.

إغراءات مالية

فشل موفد الأسير إلى مخيّم عين الحلوة بنيل موافقة «القوى الإسلامية» في المخيّم على مؤازرة الأسير وفتح جبهة تعمير عين الحلوة للتخفيف عن منطقة عبرا، على الرغم من الإغراءات المالية الكبيرة التي عرضت مقابل ذلك، حيث أبلغته رفضها هذا الطلب، وأنّها تُدين الاعتداء على الجيش اللبناني الذي قام به الأسير، وستمنع مَنْ يحاول إطلاق النار على الجيش في التعمير لمحاولة لزج المخيّم في معركة هي غير معركتها، لأنّ معركتها الوحيدة هي ضد العدو الصهيوني في فلسطين.

وبين ظهر الأحد ومساء الإثنين، استطاع الجيش اللبناني إنهاء حالة الأسير، ولمّا دخل إلى محيط «مسجد بلال بن رباح»، تبيّن أنّ هناك عدداً كبيراً من القناصة الذين كانوا ينتشرون في المنطقة، ومنهم من جنسيات لبنانية وفلسطينية وسورية متعدّدة، فيما فرَّ الكثيرون وبينهم الأسير وشاكر والدائرة الضيّقة المقرّبة منهما.

بعدها جرى تسليم المسجد إلى المفتي سوسان، حيث عُثِرًَ بداخله على عبوات وترسانة أسلحة ومتفجّرات من مختلف الأنواع، إضافة إلى «منامات» للمقاتلين الذين تردّد أنّ عددهم في المربع الأمني وصل إلى 200 مقاتل.

ولما انقشع غبار المعركة، تبيّن أن الحصيلة كانت سقوط 10 شهداء للجيش وأكثر من 35 جريحاً من الضبّاط والرتباء والجنود، فيما قُتِلَ حوالى 17 من مناصري الأسير (وهم مجموعة غُرِّر بهم، فخسروا أنفسهم كما خسرتهم عائلاتهم)، وعاد المواطنون الذين سقط بينهم ضحايا وجرحى ليجدوا أنّه لحقت بأهالي المنطقة أضرار جسيمة بالأبنية والممتلكات، فضلاً عن سرقة العديد من محتويات المنازل والمحال التي تركها أهلها قبل مغادرتهم لها!

الحريري والإعمار

وقام الرئيس سعد الحريري بإعادة إعمار واجهات المباني في المنطقة، وقامت «الهيئة العليا للإغاثة» بالتعويض عن الأضرار التي وقعت في منطقة عبرا، وأيضاً تعمير عين الحلوة، الذي حاول البعض فتح جبهتها في محاولة لفك الطوق عن الأسير.

كما تم تأمين مساكن لعائلاتٍ التي تضررت منازلهم إلى حين تم إنجاز تصليحها.

فرَّ الأسير وتعدّدت الروايات حول الوسيلة والطريقة التي مكّنته من الفرار والمكان الذي لجأ إليه.

وقال الأسير في تغريدة له (27 كانون الثاني 2014) بأنّه خرج وهو مكشوف الوجه من المعركة، ولم يتنكر بزي امرأة، فكيف يفسّر ذلك أنّه خرج بهذه الطريقة، ولم يشاهده الجيش اللبناني أو حتى عناصر «سرايا المقاومة»، الذين قال بأنّهم كانوا موجودين في المنطقة، وهم يضعون العصبات الصفراء على أيديهم؟!

أين الأسير؟

تردّد أنّ الأسير توجّه إلى مخيّم عين الحلوة، لكن حتى الآن لم يثبت ذلك، وبقي هذا الأمر دون إثباتات، انطلاقاً من أنّ المخيّم لا يُمكن أنْ يحمل الأسير شخصياً وأيضاً حالته.

وأبلغ مسؤول أمني بارز في حينه «اللـواء» بأنّه «لا نعرف ماذا تنقل المواكب المفيّمة «ذات الزجاج الداكن»، ومَنْ تنقل من أشخاص، وإذا ما تمّت محاولة تفتيشها فإنّ أزمة ما قد تنشأ».

أما الفنان المعتزل فضل شاكر، الذي ذُكِرَ أنّه كان ينوي ترك الأسير، وتسوية وضعه قبل أحداث عبرا، فإنّه لجأ إلى منطقة تعمير عين الحلوة، حيث المكان الذي نشأ فيه، ولا يزال متواجداً هناك مع مجموعة من المناصرين، ويكتفي بين الحين والآخر بالتغريد عبر «تويتر» أو بث أنشودات جديدة.

كما سُجّل أيضاً ازدياد مناصري الأسير الذين لجأوا إلى منطقة التعمير ومخيّم عين الحلوة، حيث ارتفع عددهم بعد مسلسل التفجيرات التي وقعت على الساحة اللبنانية، وبعد توقيف الجيش اللبناني لعدد من المسؤولين البارزين في الدائرة الضيّقة للأسير، ومنهم علي عبد الواحد (30 تموز 2013) وهادي قواس (6 آب 2013) وآخرون من الذين كشفوا النقاب عن أسماء هي في عداد العناصر أو المناصرين والداعمين، أو لها أدوار أمنية.

ونتيجة التوقيفات والتحريات استطاعت الأجهزة الأمنية الكشف عن عدّة خلايا كانت على علاقة مع الأسير، وخاصة على الطريق الساحلي بين الأوّلي وخلدة، ومنها في داريا والناعمة، كانت تهدف إلى القيام بعمليات تفجير واغتيالات، وهي كانت تشارك بمؤازرة الأسير في تحرّكاته خلال قطع الطرقات على الطريق الساحلي.

وفي ضوء التوقيفات وانكشاف جملة من المخططات، يتضح أن «سيناريو» كان معداً واجهته الأسير ولكنه يتجاوز حدود مدينة صيدا يشمل مختلف المناطق اللبنانية مستفيداً إضافة إلى العنصر اللبناني العنصر الفلسطيني والنازحين السوريين إلى لبنان وهو ما يتأكد في ضوء تركيز الأسير وبعض المسؤولين في الجماعات المتطرفة بالقصف السياسي ومن مختلف الأعيرة بإتجاه المؤسسة العسكرية والتي سبقت الاعتداء على نقطة الجيش في عبرا، حيث كان الأسير يتحدث أن هناك أكثر من 15 ألف مقاتل جاهزون لحمل السلاح ومؤازرته مع أول نقطة دماء تسقط منه أو من أحد مناصريه.

وينكشف أيضا من جملة أحداث جرت لاحقاً أن الـ «مايسترو» كان قد أعدّ العدة ليتم تنفيذها من خلال أكثر من جهة وهو ما شهدته الساحة اللبنانية من أحداث وإشكالات متنقلة، تحت عناوين متعددة، تتخذ من أي إشكال فردي أو «إشاعة» أو ما شابه ذلك ذريعةً للتوتير، الذي زاد في تأجيجها حدة الانقسام اللبناني، وعمق المأزق الانغماس بالأحداث في سوريا وترددات وإنعكاس ذلك على الساحة اللبنانية.

الربط بين الأسير وعين الحلوة

ويبرز تساؤل، لماذا محاولة الإيحاء بأنّ الأسير في مخيّم عين الحلوة، بينما تؤكد مختلف القيادات أنّه لم يدخل المخيّم، وهنا تعود بنا الذاكرة إلى توجيه الاتهام للمخيّم بأنّ قائد «كتائب عبدالله عزام» ماجد الماجد كان موجوداً في المخيّم، وبعد توقيفه (الجمعة 26 كانون الثاني 2014) تبيّن أنه لم يكن في المخيّم ولم يزره منذ سنوات عدّة، وكان في منطقة عرسال.

وبدلاً من أنْ يتّعظ الأسير من البلاء الذي ابتُلِيَ به العديد من الشبان والعائلات، أخذ يدفع بهم نحو المزيد وكان عدد منهم ممَّن شاركوا في عمليات انتحارية بتفجير سيارات مفخّخة أو تفجير أحزمة ناسفة كانوا يرتدونها، وخاصة ضد السفارة الإيرانية في بئر حسن في التفجير المزدوج الذي نفّذه معين أبو ظهر وعدنان موسى المحمد (19 تشرين الثاني 2013)، وكذلك مقتل اللبناني محمد جميل الظريف والفلسطيني بهاء الدين محمد السيد وشخص ثالث وُجِدَتْ معه هوية بإسم إبراهيم المير، تبيّن أنّها مزوّرة، وسبق ذلك بدقائق مقتل أبو أيوب العراقي على حاجز الأوّلي بعدما شهر قنبلة يدوية، فأطلقت حامية الموقع النار باتجاهه، ما أدى إلى مقتله واستشهاد أحد العسكريين (15 كانون الأول 2014).

وبقيت العائلات المنكوبة التي توزّعت بين مَنْ فقدت شاباً أو أكثر، وبين مَنْ أوقف أبناؤها، وبقي ملف موقوفي أحداث عبرا دون محاكمات، إلى أنْ أثمرت جهود النائب بهية الحريري تحريك هذا الملف، حيث بوشرت المحاكمات في «المحكمة العسكرية الدائمة» في بيروت (15 تموز 2014)، وحُدّدت جلسة لمتابعة المحاكمة (26 آب 2014).

ويتوزّع المتّهمون في الملف بين:

- مَنْ شارك في القتال ضد الجيش اللبناني.

- مَنْ كان في عِداد مجموعة الأسير، وكانت له أدوار مراقبة.

- مَنْ هو في عِداد مجموعات الأسير ولم يشارك في هذا القتال.

- مَنْ هو من مناصري الأسير أو روّاد «مسجد بلال بن رباح».

وهنا يبرز تساؤل عن دوافع استهداف الأسير لـ «تيار المستقبل»، ونقل معركته من التركيز على «حزب الله»، إلى «تيار المستقبل»، وهل يريد إحداث شرخ آخر في الطائفة السنيّة، عبر الاتهامات الزائفة، والمواعظ، التي لو اتعظ هو بمَنْ نصحه، لكان ما وصل إلى ما وصل إليه.

وبات من الواضح أنّ هناك مَنْ يخطّط ويهدف إلى إظهار أنّه هناك حالات غير منضبطة في الطائفة السنيّة لوصفها بأنّها مصدر لـ «الإرهاب»، حيث ما زالت ظاهرة شاكر العبسي و«فتح الإسلام»، والاعتداء على الجيش اللبناني (18 أيار 2007) في نهر البارد ماثلة للعيان، والتركيز على استهداف المؤسّسة العسكرية، وضرب مبدأ الاعتدال الذي تمثّله الطائفة السنية كصمام أمان في لبنان والمنطقة.

لكن في المقابل يجب معالجة الدوافع التي استطاع الأسير وأمثاله ممَّن يحملون عناوين متعدّدة، استمالة الشباب المتحمّس تحت عنوان الغيرة على الدين، بشعورهم أنّهم غير مغبونين، وأنّ الدولة اللبنانية بكل مؤسّساتها تتعامل معهم كأبنائها من طوائف ومناطق أخرى، وأنّهم ليسوا مغبونين، بل إنّ دورهم رئيسي وهام في أمن واستقرار لبنان، لإفشال مخطّطات الفتن، واستغلال البعض لهؤلاء الشباب، خاصة أنّ أكثر من تفجير انتحاري تبيّن أنّ مَنْ قام به هم ممَّن كانوا يناصرون الأسير، وأصبحوا الآن ضمن «جبهة النصرة» أو غيرها من المسميات الأخرى، التي تساهم في تعميق المأزق والفتن المذهبية والطائفية، حيث المستفيد الأول منها العدو الصهيوني، الذي يسعى إلى تركيز دعائم «دولة إسرائيل اليهودية» على الأراضي الفلسطينية المحتلة.