على رغم ان التمديد فترة اضافية للمجلس النيابي قد لا تكون فكرة محبذة، خصوصاً بالنسبة الى عواصم الدول المؤثرة التي تهتم ب​لبنان​ عادة، فانها تبدو مع اقتراب موعد دعوة الهيئات الانتخابية لانتخاب مجلس نيابي جديد في 20 آب المقبل اكثر تقبلاً من اي وقت مضى لاحتمال التمديد للمجلس ان لم تكن متحمسة له . وواقع الحال ان البعثات الديبلوماسية المعنية قد لا تعمد الى ابداء موقفها علنا في هذا الاطار او اظهار اي تساهل ازاء التمديد لمجلس النواب، خصوصا ان المنطق الذي ترفعه على نحو دائم يصب في خانة الدفاع عن فكرة التداول الديموقراطي وتجديد الحياة السياسية . وقد تكون من المرات النادرة ان تقر هذه البعثات بأن الأسباب الموضوعية للتمديد تبدو ملحة في هذا الاتجاه في ظل اوضاع اقليمية مؤثرة بانعكاساتها على لبنان والحاجة الى استقرار امني داخلي قد يصعب المخاطرة به في ظل هذه الانعكاسات من جهة وعدم الرغبة في الاخلال بالتوازن السياسي القائم راهناً لاعتبارات متعددة من جهة اخرى، الى جانب الاعتقاد بوجود مصالح مباشرة لغالبية القوى بعدم الرغبة في خوض انتخابات نيابية راهنا اما نتيجة الانخراط في الحرب السورية كما هي الحال بالنسبة الى " حزب الله" واما لعدم القدرة على ادارة معركة انتخابية فاعلة بالنسبة الى الرئيس سعد الحريري المضطر الى البقاء خارج لبنان .

يضاف الى ذلك الاعتقاد الذي يجد طريقه الى المنطق المعتمد وهو ان التوافق على قانون انتخاب جديد يبدو مستحيلاً مما يعيد الانتخابات الى قانون الستين الذي من المرجح ان يأتي بمجلس مماثل للمجلس الحالي من حيث توازناته وباختلافات بسيطة جديدة وهو الامر الذي يمكن معه القول بسهولة ان الاقتراحات الداعية الى اجراء انتخابات نيابية قبل ​الانتخابات الرئاسية​ من جانب بعض الافرقاء هي بحكم الخاسرة سلفاً، كونها من دون افق في ظل الازمات المتصاعدة اقليميا. ولذلك لم تحظ بأي صدى محلي او خارجي بحيث بدا واضحاً انها لا تستطيع ان تحشد اي دعم لها في اي اتجاه كونها خارج السياق الذي يمكن ان يبقي على الاستقرار الامني والسياسي النسبي القائم . كما ان القوى السياسية في لبنان لن تتعرض لأي ضغوط خارجية كما هي الحال في غالب الاحيان من اجل الدفع في اتجاه اقرار قانون انتخاب جديد وخوض انتخابات نيابية جديدة بل على العكس من ذلك، اذ سيكون هناك غض طرف حقيقي عن هذا التمديد الذي سيكون مقبولاً من الخارج وربما مطلوباً حتى من اجل ضمان استمرار المؤسسات الدستورية وعدم انفراط عقدها بحيث يغدو التمسك بالمجلس الى جانب التمسك بالحكومة الحالية على رغم عثراتها افضل الخيارات الممكنة.

اذ ليس واضحاً بالنسبة الى غالبية الاوساط السياسية اي استحقاق اقليمي او دولي جديد ينبغي ربط حصول الانتخابات الرئاسية به بعدما سقط الرهان على حصول اتفاق على الملف النووي الايراني بين ايران والدول الغربية في 20 تموز الحالي ومددت مهلة اضافية لاربعة اشهر. وباتت الانتخابات الرئاسية يتيمة من دون تاريخ محتمل لاجرائها، وان تكن التقديرات السياسية تظل ترسم افقا لها يتفاوت بين نهاية ايلول واواخر تشرين الثاني المقبل الذي سيكون موعداً مفترضاً جديداً بالنسبة الى الملف النووي، لكن من دون وضوح الاسباب الحقيقية لتحديد المهلة بين التاريخين المذكورين، ما لا ينفي تاليا ان احداً لا يملك موعداً تقريبياً واقعياً لانفراج محتمل على هذا الصعيد. فالبلد كان ينتظر امراً ما ويندفع سياسيوه الى المراهنة على مهل محددة في حين هو الآن رهن اي محادثات جانبية او اتصالات مباشرة من غير الواضح متى تجري ووفق اي صفقة بحيث تؤدي الى حلحلة العقد بحيث تسمح بانتخاب رئيس جديد يتفق عليه. اما توالي ما سمي مبادرات للخروج من ازمة الرئاسة فهو يكاد يخدم فكرة وحيدة هي تعبئة الوقت الضائع الى جانب بعض المكاسب المحدودة داخل كل فريق من اصحاب المبادرات ليس الا لان هذه الاخيرة من دون افق خصوصاً في ما يتصل باجراء الانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لذلك يخشى سياسيون كثر من ان تكون ازمة الفراغ التي استخدمت وتستخدم لخدمة مصالح واهداف سياسية معينة محلية وخارجية باتت تستنزف القوى السياسية اللبنانية ولا تخدمها فيما تتوالد الازمات الاقليمية خصوصا بحيث تبعد لبنان اكثر فاكثر عن دائرة الاهتمام وتعرضه لمخاطر اكبر بحكم ما يجري في المنطقة كما حصل بالنسبة الى ارتدادات تمدد تنظيم داعش نحو لبنان او اطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني تماشيا مع ما يحصل من اعتداءات اسرائيلية على غزة. ومع ان وجود رئيس للجمهورية في قصر بعبدا لا يمكن ان يردع انعكاسات مماثلة كانت تحصل وستظل محتملة في كل وقت، لكن من المهم وجود رئيس يتحرك بما يمليه عليه موقعه من اجل تنسيق الجهود والردود المناسبة للمواقف ويجري الاتصالات الدولية اللازمة. وليس ادل على ذلك من اقتراب موعد انعقاد اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في ايلول المقبل والتي يأمل البعض ان تشكل مناسبة لتجديد الدعم الدولي للبنان في مناسبة مرور سنة على انطلاق اعمال مجموعة الدعم الدولية له بمساهمة من الرئيس ميشال سليمان في حين ان غياب رئيس جديد للجمهورية قد يفقد لبنان تلك الاتصالات التي يحتاجها.