سيشهد الطريق في اتجاه المقر الصيفي للبطريركية المارونية في الديمان زحمة زوار وموفدين في الأيام المقبلة. في الظاهر، هو حراك لتأييد موقف سيد الصرح لمنادي بانهاء الشغور الرئاسي، اما في الوقائع، فتشير المعلومات الى مساع تبذل للترويج لاسماء معينة، تحت عنوان "انهاء الشغور الرئاسي".

وفي التفاصيل ان مجموعة من الشخصيات صعدت الى الديمان في الأيام الماضية، مفاتحة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بالعمل على التحضير للقاء مسيحي جامع، يهدف الى الضغط في سبيل انهاء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية. طلب زوار الصرح من الراعي البركة والرعاية، وغادروا من دون الحصول على جواب نهائي في هذا الخصوص، انما فهموا منه "عدم ممانعته لكل خطوة ديموقراطية جامعة تنادي بانهاء الامتناع عن حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية".

اكتفى زوار الصرح بما خرجوا به من عدم الرفض، وانصرفوا لاستكمال التحضيرات لما يجب ان ينضج بالنسبة اليهم مطلع أيلول المقبل، اي قبل أسابيع من انتهاء ولاية المجلس النيابي.

ما هي الأهداف الحقيقية لهذه الخطوة؟

لتفسير ما يجري يعود احد المتابعين اشهراً الى الوراء، الى السنة الأخيرة من ولاية الرئيس ميشال سليمان. يومها، بدأ المقرّبون من سليمان يسوّقون لفرضية التمديد له، على قاعدة أنه "طالما أن الانتخابات غير متاحة، فليكن بقاء الرئيس في موقعه اذاً". وجاء "اعلان بعبدا" ليشكّل "جواز العبور المفترض" لهذه الغاية. ولأن الحراك السياسي يجب ان يترافق مع تهيئة للارضية المحلّية، كان اللجوء الى "المجتمع المدني" من خلال اطلاق المؤتمرات الداعمة لاعلان بعبدا والمروجة لمنطق ان مدة صلاحيته لم تنته، لا بل انه صالح ليكون الخيمة التي يستظل بفيئها الجميع لنصف ولاية دستورية جديدة. لم تنجح المحاولة، وبدل التمديد، انتقل سليمان الى الplan B، من خلال السعي الى منصب الأمانة العامة للفرنكوفونية، حيث يتابع اتصالاته بحسب المعلومات، وسيوفد احد معاونيه الى جنيف في أيلول المقبل لهذه الغاية.

اليوم، يقول المتابعون، إن هناك من يلجأ الى "الحيلة" عينها، إنما للترويج لشخصية أخرى. هنا يحضر اسم قائد الجيش العماد جان قهوجي، كأحد الاحتمالات، انطلاقاً من ان الرجل "اثبت كفايته في موقعه، ولم ينحاز لطرف ضد الآخر، واسهم في ضرب الإرهاب والحفاظ على الاستقرار في مرحلة هي الأصعب على وقع تداعيات الازمة السورية على الواقع اللبناني، وفي ملاحقة المخلّين بالأمن والمحاولين للعبث في الساحة الجنوبية من خلال الصواريخ المشبوهة على شمال فلسطين المحتلة".

بناء عليه، تشير المعطيات الى ان الحراك بدأ في هذا الاتجاه، من خلال جميع عدد من "المفكرين والناشطين المسيحيين والموارنة" للالتقاء في ​بكركي​ في أيلول المقبل، تحت عنوان "مؤتمر الإنقاذ المسيحي". لماذا أيلول؟ يتحدّث المعنيون عن "تحضيرات لوجيستية لازمة واتصالات مع الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية، قد يكون عدد منها في اجازته الصيفية هذه الفترة، ما يتطلّب انتظار اكتمال الصفوف، بالإضافة الى اعداد برنامج العمل المناسب حتى لا تبقى المقررات حبراً على ورق".

بينما تتحدّث المعلومات على ان هناك من يراهن على ان شهر أيلول سيكون موعد الحسم الرئاسي. من جهة، ينتظر ان يكون شدّ الحبال في شأن الملف السوري قد بلغ مرحلة جديدة، والحوار الأميركي-الإيراني قد تقدّم على وقع الخطوات الإيجابية التي يقطعها الملف النووي، فضلاً عن تبلور صورة ما يحدث في العراق. اما محلّياً، فيصادف أيلول عشية موعد الانتخابات النيابية، ما يفترض ان يفعّل الحراك السياسي: فاذا لم تكن الظروف ملائمة، ولا النيات متوافرة، لاجراء الاستحقاق في موعده، فإن قطع الطريق على التمديد يمرّ حكماً باجراء الانتخابات الرئاسية، بالنسبة الى أصحاب هذه النظرية. ويراهن أصحاب هذا الطرح على ان الأسابيع المقبلة ستشهد سقوط ورقة ميشال عون من جهة، وانتفاء الحاجة الى لعب ورقة سمير جعجع من جهة أخرى، ما يفتح الباب على البدائل. ويعتقد هؤلاء ان اسم قائد الجيش سيكون الأبرز ليشكّل "فكّة عقدة".

ولكن، تشير المعلومات الى ان عوائق عدة امام هذه الفرضية، اوّلها مسألة التعديل الدستوري، والثانية الحصول على تأييد العدد الكافي من الكتل النيابية.

وفي هذا الاطار، يعوّل المشجّعون على السير بهذا التوجّه على التوافقات السياسية بمظلة إقليمية ودولية، تسمح باللجوء مرة جديدة الى نظرية "الظروف الاستثنائية" لاسقاط المهل المطلوبة لاستقالة موظفي الفئة الأولى، بعد ان تسهم في تليين الاعتراضات لدى الكتل النيابية، على غرار ما حصل عشية انتخاب سليمان.

ماذا تقول بكركي؟

بحسب أحد الأساقفة المعاونين لسيد الصرح، تحتفظ بكركي بموقفها القائل بضرورة ملء الشغور الرئاسي لأن استمراره، سيزيد مخاطر الانزلاق في المجهول، الميثاقي والدستوري والامني. ولكن، وفي الوقت عينه، تتمسّك بكركي بالثوابت من دون ان تنحو في اتجاه طرف على حساب الآخر. وهي تعلم انه في السابق كما الحاضر والمستقبل، هناك من يحاول الباسها اثواباً ليست لها...لذلك، من المفيد إعادة التأكيد، بحسب الأسقف الماروني، ان بكركي لا تدخل في الزواريب، بل تنطلق مما يمليه عليها واجبها الوطني والكنسي الحاضن للجميع، بالتنبيه من المخاطر، وبدعوة أصحاب القرار الى عدم الوقوف مكتوفي الأيدي".

...رأي مسيحي آخر

يستحضر وزير سابق مبادرة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ليتوقّف عند نقطة الانتخابات النيابية تحديداً ويعتبر ان الحريري قد لا يكون بعيداً عما يطبخ في هذا السياق، ليرى ان "حرص الحريري على المناصفة والموقع الماروني للرئاسة، يجب ان يقترن بترجمة عملية تنطلق من احترام إرادة المسيحيين في الخيار، وفي عدم ممانعة وصول أحد الأقوياء تمثيلياً وشعبياً".

فالشراكة الحقيقية والمناصفة الفعلية، بالنسبة اليه، تمر بالتطبيق الفعلي لا العددي والرقمي، وهي تقوم على انتخاب الشعب للمثليه من خلال قانون انتخاب عادل، واختيار رئيس قوي يعبّر عن الوجدان المسيحي، لا يعيّن كما هو حاصل منذ 24 عاماً.

في المحصّلة، ينتظر ان تكتمل معالم هذا السيناريو في الأسابيع المقبلة. فهل ينجح المروجون له هذه المرة حيث فشل من سبقهم في التبشير بالتمديد؟ ام يسقط لأن ظروفه الإقليمية قد لا تكتمل؟