بات من الواضح أن الفشل العسكري «الإسرائيلي» في ميدان المواجهة مع المقاومة الفلسطينية واكبه فشل آخر في ميدان التفاوض، حيث وعلى رغم انحياز الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة وبعض الأنظمة العربية الدائرة في فلكها. إلى جانب تأييد وقف إطلاق النار وفق الشروط «الإسرائيلية» هدوء مقابل هدوء.

إلاّ أن قيادة المقاومة رفضت ذلك وأعلنت تمسكها بعدم قبول أي تهدئة مجانية وأنها ترفض وقف النار قبل تلبية شروطها وفي مقدمها فك الحصار الكامل عن قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى الذين اعتقلوا أخيراً في الضفة الغربية.

وأدى موقف المقاومة الحازم، إلى مفاقمة مأزق الحكومة الصهيونية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي لم تعد تحتمل استمرار الغوص أكثر في رمال غزة المتحركة، التي تحولت إلى جحيم بالنسبة إلى جنود الاحتلال، الذين تجاوز عدد القتلى منهم الـ70 قتيلاً فيما الجرحى تعدى الـ150.

وإذا كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يواصل تحركه الدبلوماسي على الدول الإقليمية والعربية وخصوصاً تركيا وقطر ومصر لأجل إيجاد مخرج ينقذ «إسرائيل» من ورطتها عبر الالتفاف على شروط المقاومة ومطالبها المحقة والعادلة.

إلاّ «إسرائيل» المأزومة وغير قادرة على الانتظار بدأت تعد لسيناريو مشابه للسيناريو الذي طبق في لبنان عام 2006. للخروج من غزة بطريقة تحفظ ماء وجه الجيش «الإسرائيلي» والسيناريو الذي بدأت حكومة نتنياهو دراسة تنفيذه. يقضي بتحويل هزيمة الجيش «الإسرائيلي» في غزة. إلى انتصار سياسي، أي أن تبلغ بالدبلوماسية ما عجزت عن تحقيقه بوساطة القوة العسكرية.

غير أن تحقيق ذلك يندرج في سياق خطة، تقضي بمبادرة الحكومة «الإسرائيلية» مع الولايات المتحدة ودول حليفة أخرى، وبالتنسيق مع الحكومة المصرية والسلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية للعمل على استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي شبيه بالقرار 1701 الذي أنهى حرب تموز عام 2006، الذي وعلى رغم أنه لم يكن كاملاً وأجزاء كثيرة منه لم تطبق، لكنه منح «إسرائيل» مكاسب سياسية ودعائية مهمة، بحسب المحللين الصهاينة.

ولهذا تسعى «إسرائيل» إلى استصدار قرار من مجلس الأمن يفرض وقف النار في غزة وفق المبادئ التالية:

1 ـ اعتبار الحكومة الشرعية في قطاع غزة هي حكومة السلطة الفلسطينية الخاضعة للرئيس محمود عباس ويلزم ذلك «إسرائيل» التعامل مع حكومة الوحدة الفلسطينية.

2 ـ نشر قوات الأمن الفلسطينية في غزة على طول الحدود وفي المعابر.

3 ـ تشكيل آلية لنزع الصواريخ والسلاح الثقيل وتدمير الأنفاق في غزة وإرسال بعثات من الأمم المتحدة للمراقبة.

4 ـ قيام «إسرائيل» بتغييرات جوهرية في سياستها على المعابر الحدودية مع قطاع غزة ولا سيما في ما يتعلق بعبور الأشخاص والبضائع بين غزة والضفة.

5 ـ رفع الحصار البحري عن قطاع غزة وإقامة ميناء جديد تحت رقابة قوات الأمن الفلسطينية.

وبالنظر إلى هذه البنود التي تسعى «إسرائيل» إلى تحقيقها عبر قرار من مجلس الأمن، تبين أن «إسرائيل» تسعى إلى الاستقواء بالعالم ليتراصف خلف أهداف حربها ومساعدتها في إنهاء الحرب وتنفيذ ما عجزت عنه هي عبر قوتها العسكرية، وهنا تكمن الخطورة التي تقتضي من قوى المقاومة كافة وحلفائها في العالم التنبه له. ووضع خطة مضادة لإحباط الخطة «الإسرائيلية»، التي لا تقل خطورة عن العدوان الجوي والبري، بل هي أخطر، كونها تستهدف نزع سلاح المقاومة وفرض الاستسلام عليها على رغم أنها هي التي انتصرت في الميدان.

ولذلك فإن الأيام المقبلة ستكون أياماً حاسمة تفرض على المقاومة مواصلة المعركة على الجبهتين العسكرية والدبلوماسية لضمان تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني، والحفاظ على سلاحها الذي غير معادلة الصراع مع الاحتلال، واستطراداً منع العدو من الخروج بانتصار سياسي بعد أن هزم عسكرياً أمام رجال المقاومة.