من يراقب عن كثب حركة المقايضة وبيع الأسهم بين شركات الغاز العالمية الكبرى المنتشرة بين لندن وباريس وواشنطن والنروج يفهم جيّدًا الأهداف الحقيقية من اشتعال المنطقة العربية الغنية بالغاز المكتشف حديثًا بعد معاهدة سايكس بيكو. ومن يتابع من الناحية الاستراتيجية حركة دولة الاسلام في العراق والشام "داعش" المدعومة من شركات الغاز العالمية المعنية بالاستيراد والتصدير والتنقيب والمسح الجيولوجي الثلاثي الابعاد لجهة تقدمها في الميدانين العراقي والسوري وسيطرتها على حقول الغاز الطبيعي المنتشرة في الريف السوري الشمالي يدرك جيّدًا أنّ هدف واشنطن وهذه الشركات التي تشكل اللوبي المتحكم بقرارات الحرب والسلم الاميركية والغربية والاسرائيلية بشكل خاص هو فصل ايران عن سوريا عبر اكبر مساحة جغرافية ممتدة على الاراضي العراقية ليس لقطع خط التواصل بينهما بل لقطع خطوط امداد الغاز عبر هذه البقعة وتحويلها عبر الاراضي التركية للتحكم باسعار الغاز واسواقه واقتصاداته التي باتت تشكل العنوان الوحيد لكل حرب ظاهرها عسكري وباطنها اقتصادي بامتياز.

استنادًا إلى هذه النظرية، يصبح من الطبيعي أن تكون الدول التي تمّ اكتشاف الغاز فيها أو على سواحلها على غرار لبنان وسوريا وقطاع غزة عرضة لأعمال العنف ومشرّعة أمام المدّ "الداعشي" وبالتالي التدمير من الداخل بحيث تتحوّل المعابر الغازية انطلاقًا من مصادرها أيًا تكن محكومة بالقرار الاميركي الاسرائيلي المشترك على حد تعبير خبير استراتيجي يعمل لمصلحة الاتحاد الاوروبي أكان لجهة الاستثمار السياسي أو التحكم بمفاصل القرار الاوروبي. بيد أنّ الدول الاوروبية هي الاكثر استهلاكا للغاز الطبيعي ومحكومة بأسعاره وسياساته على اعتبار أنّ الدول التي تمرّ بها أنابيب الغاز تستفيد من العائدات ما يسمح لها بشراء المزيد من الاسلحة لتكتمل معها الدورة الاقتصادية.

على هذا الأساس، يمكن الربط بين ما يحصل في غزة والتطورات الميدانية المتسارعة في سوريا، فعمليات الكر والفر التي تمارسها "داعش" حققت جزءًا من اهدافها وهي رسم خط بياني متصل بفصل ايران عن سوريا من حيث الشكل والمضمون. وما الاهمية التي تحدثت عنها قيادات دولية حول الاستيلاء على حقل الشاعر الغازي في سوريا إلا لأنها تمكنت من وصل جبهاتها القتالية في خط مستقيم من شأنه أن يصل في ما بعد إلى حمص ومن بعدها الساحل اللبناني، وهذا ما دفع بمرجعيات دولية وأميركية تحديدًا الى تسريب بعض المعلومات التي حرّكت الاجهزة الأمنية وحزب الله في لبنان انطلاقا من القلمون السورية، كما دفعت بالجيش السوري الى المسارعة لمحاولة استعادة حقل الشاعر والى تعزيز قواته في التلال المحيطة به ومحاصرة داعش في زاوية ضيقة، فضلا عن مسارعة المخابرات السورية الى الدخول على خط القتال الدائر بين التنظيمات المسلحة من جهة وداعش من جهة ثانية في الريف الدمشقي القريب من درعا ومن لبنان عبر الزبداني والجرود المحيطة بها.

غير أنّ العوامل التي طرأت على هذا الصراع وأبرزها صمود المقاومة الفلسطينية في غزة ومنع الجيش الاسرائيلي اقله حتى الان من فرض سيطرة كاملة على الساحل، والمقصود هنا سيطرة سياسية وليس عسكرية فقط قد يدفع بأصحاب الشأن إلى تركيب هدنة هشة بين الفلسطينيين والحكومة الاسرائيلية تمهيدًا لإجراء جوجلة كاملة والبحث في كيفية تحقيق المشروع الساحلي الممتدّ من البحر الابيض المتوسط إلى حدود القارة الاوروبية أو ما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أطلق عليها لقب أوراسيا في مشهد يؤكد على أنّ لبّ الصراع في المنطقة يتمحور حول الجهة التي ستبيع الغاز إلى القارة العجوز والجهة المستفيدة والدول التي ستقع على فالق الزلزال السياسي وهزاته الارتدادية التي تستمر سنوات قبل ان تتضح الصورة بشكل نهائي وكامل.