غريب أمر حكام الخليج وكثير من أنظمة العرب، الذين ما يزالون يضخّون السموم في إعلامهم ضد سورية، رغم كل ما تتعرض له غزة من عدوان صهيوني مجرم.. وكأن ما يجري في غزة يفضح كل هؤلاء الأعراب ومن يقودهم، وعلى رأسهم "السيد" الأميركي.

قد تكون العودة إلى الوراء ضرورية لكشف جوانب واسعة من استهداف سورية، وإن كان أمين عام حركة الجهاد الإسلامي رمضان عبدالله شلّح كشف جانباً من هذا الاستهداف؛ حينما أكد أن دمشق فتحت قلبها وذراعيها للمقاومة الفلسطينية، خاصاً بالذكر حركتي "حماس" و"الجهاد"..

تفيد الوقائع والمعلومات أنه قبل أكثر من عامين تواطأت أنظمة عربية وإقليمية من أجل إسقاط مدينة حمص، وانتزاعها من الدولة الوطنية السورية، لأنه وفقاً للخطة الموضوعة، والتي شارك فيها أميركيون وصهاينة (تذكّروا زيارة جون ماكين إلى عكار، وعودة الحديث إلى مطار قليعات وقاعدة القلمون)، فإنه بعد سقوط البقاع والشمال، تصبح حمص قريبة إلى حدود بيروت، تماماً مثلما "داعش" قريبة الآن مع حدود بغداد.

كانت المعركة الاستباقية الحاسمة هزمت المجموعات المسلحة في بابا عمرو، ثم في تلكلخ وفي حمص القديمة.. وما بعدها..

جبهة حلف أعداء سورية في تناقص، فمن أكثر من مئة دولة كانت تلتقي في ما يسمى "مؤتمر أصدقاء سورية"، لم تعد تلتقي أكثر من 11 دولة، فكان القرار بتغيير أدوات الحرب على الدولة الوطنية السورية، خصوصاً بعد الانتصارات النوعية الحاسمة في مناطق القلمون والغوطتين وحلب وريف اللاذقية الشمالي وهلمًّ جرا.

لجأ حلف أعداء دمشق إلى أكثر القوى ظلامية وإرهاباً وقرروا افتعال تسونامي الديناصورات، فكانت ولادة "داعش".. فأخذت مواقع "النصرة" والحركات والقوى المتعددة الأسماء والأنواع تتساقط كأوراق الخريف.

"داعش"، وفق المشروع الذي أعدّه من يموّلها ويسلّحها، وبغض النظر عن نشأتها ونموها، عادت بعد ليلة الموصل و"تحطُّم كريستال الجيش العراقي" إلى التركيز على حمص، لأنها بها وحدها لا تُدَقّ أبواب عاصمة الأمويين واللاذقية فحسب، إنما أيضاً تدق أبواب بيروت وطرابلس وصيدا، لهذا كانت الخطة مؤخراً باقتحام جرود بلدتي نحله ويونين في البقاع الشمالي، لأنه إذا قُيِّض لهم ذلك، يكونون قد شكّلوا مع خلاياهم النائمة التي رأينا بعضها في فندق "دور روي" في بيروت، وفي مغاور فنيدق في عكار، وفي ما هو معلوم وغير معلوم لدى الأجهزة الأمنية، نقطة الالتقاء والتمدُّد باتجاه بعلبك وزحلة، ومنها إلى الجبل وبيروت..

وبعد، ماذا يمكن الانتظار من قبائل "داعش" والغبراء العربية، الذين يتعاملون مع السيد الأميركي كتوابع ليس إلا، يأمرهم فيطيعون، ومع الصهيوني كحليف ومنقذ؟!

حبذا لو تتذكرون غزل تركي الفيصل للموساد وأمله بـ"السلام" مع العدو قبل أسابيع، وهم الآن ينتظرون "انتصارات داعش"، لأنهم لا يريدون الاستفادة من تجربة غزة وصمود أهلها ومقاومتها، وإلا، لماذا لم تجتمع جامعة القبائل العربية بعد مضي أكثر من 15 يوماً من الحرب الصهيونية على غزة، رغم أنهم كانوا يلتقون ضد سورية في أقل من 48 ساعة؟!

في تغريدة لـ"داعش" على "تويتر" يقول: "لن تتحرر القدس حتى نتخلص من هؤلاء الأصنام، أمثال آل النفطوية وآل صباح وآل نهيان وآل خليفة، وكل هذه العوامل والبيادق عيّنها الاستعمار والتي تتحكم في مصير العالم الإسلامي".

تُرى ماذا عن آل سعود وآل ثاني، وهم الذين لم تأتِ "داعش" على ذكرهم؟ كيف؟ ولماذا؟

مهما يكن، فإن الضربة الحاسمة التي وجهها الجيش العربي السوري في جرود القلمون والمقاومة اللبنانية في جرود البقاع الشمالي الموازية للقلمون للمجموعات المسلحة، في مثل هذه الظروف، إنما هي ضربة كبيرة وُجِّهت إلى مشروع حلف أعداء المقاومة، والذي تتكامل مع المواجهة الضارية التي تخوضها فصائل المقاومة الفلسطينية مع العدو "الإسرائيلي" في الدفاع عن غزة وأهلها، والتي تؤكد ثبات توازن الردع الذي أحكمت منظومة المقاومة في المنطقة بناءه، وهي أكدت أيضاً على ثبات ورسوخ سورية في موقعها المحوري داخل هذه المنظومة الاستراتيجية، على الرغم من أعباء تصديها للحرب الشاملة التي تستهدفها منذ أربعين شهراً ونيّف.