وفق معلوماتٍ موثوقة، فإنَّ سلسلة المفاجآت التي افتتحها زعيم المختارة النائب وليد جنبلاط، بلقائه في عشاء رئاسي قائد الجيش العماد جان قهوجي، ستُتبَع بلقاء مرشَّحين آخرين من خارج دائرة الأربعة الأقوياء، وتُحدِّد المعلومات الوزير السابق جان عبيد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على لائحة اللقاءات القريبة لجنبلاط.

هذا المؤشِّر إنْ دلَّ على شيء، فعلى أنَّ جنبلاط يريد من خلاله الإيحاء بأنَّ تخلّيه عن ترشيح النائب هنري حلو هو مسألة توقيت وإخراج، بمعنى أوضح أنَّه يخرج حين يخرج الأربعة، وقد أعطى الإشارة الأولى بلقائه العماد قهوجي وسيُتبعُها بإشارات لاحقة بلقائه الوزير السابق عبيد والحاكم سلامة.

هذه الحركة الجنبلاطية هي واحدة من الرهانات المتعدِّدة لكلٍّ من الزعماء الأقطاب في البلد الذين يحرِّكون خيوط اللعبة الداخلية، فجنبلاط واحدٌ من هؤلاء لأنَّه يملك زعامةَ طائفته وهي امتدادٌ لزعامةٍ تاريخيةٍ، وجغرافية تمتدُّ من جنوب طريق الشام وصولاً إلى تخوم جزين.

ولكن ماذا عن الآخرين؟

***

الرهانُ الثاني جاء من قطبٍ آخر هو رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون. ففي مبادرته الأخيرة تقديم الإنتخابات النيابية على الإنتخابات الرئاسية، يكون عملياً قد سحب ترشيحه ليس لمرشَّحٍ آخر بل لخيارٍ آخر هو خيار الإنتخابات النيابية. يُقدِّم العماد عون هذا الخيار من ضمن طرحٍ متكامل ويعرف أنَّه لا يتوافق مع طرح الرئيس سعد الحريري لكنَّه لا يريد أن يصطدم به، لذا فإنَّه تحاشى الردَّ عليه مباشرةً واكتفى بالقول:

الرئيس الحريري يقول إنّه يجب إنتخاب الرئيس أولاً، وأنا أقول إنّه يجب أن يُنتخب المجلس النيابي أولاً، وأن ينتخبَ هذا المجلس رئيسه، ثمّ يدعو رئيس المجلس إلى جلسة، يُنتخبُ من خلالها رئيسٌ للجمهورية. ما من مشكلة في المسار الإنتخابي الدستوري سواء إنتُخب الرئيس أولاً أو المجلس النيابي أولاً.

رهانُ العماد عون له مَن يؤيده، فالجنرال له حيثيته المسيحية بحيث أنَّه يحوز أكبر كتلةٍ نيابية مسيحية، كما أنَّه من خلال ورقة التفاهم مع حزب الله له تأييد من أبناء الطائفة الشيعية.

***

رهانٌ آخر، ما زال في التداول، هو ما طرحه زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري من خلال خارطة الطريق التي أطلقها، التي يمكن إيجازُها بالقول:

يا سادة، تعالوا إلى الوفاق حول رئيس الجمهورية، بهذا المعنى أعطى الرئيس الحريري إشارة عدم التمسك بالمرشَّح الدكتور سمير جعجع، ولكن لمصلحة رئيسٍ توافقيّ وليس للإنتقال من مرشَّحٍ قويّ إلى مرشَّحٍ قويّ آخر من المرشَّحين الأقوياء الأربعة.

هذا الرهان من زعيم المستقبل لم يكن ليُبصِر النور على شكلِ خارطة طريق، لو لم يُشبعه الرئيس الحريري درساً وإتصالاتٍ واستمزاج آراء، فهو يُدرِك أنَّ أيَّ موقفٍ يتَّخذُهُ سيكون له وقْعه السياسي لِما يُمثِّلُ من زعامةٍ لدى طائفته، كما أنَّ هذه الزعامة ليست محصورةً بالطائفة بل هي ممتدّة إلى طوائف أخرى فلديه عند المسيحيين بمقدار ما لديه عند المسلمين، وهذه وديعةٌ غالية يحملها منذ أيام والده الشهيد رفيق الحريري، كما يقول أحد السياسيين المخضرمين.

***

وسط كلِّ هذه الرهانات، هناك المكوِّن الشيعي بثنائيته، حزب الله وحركة أمل، هذا المكوِّن يتحرَّك وفق السقف التالي:

حزب الله في تفاهم مع العماد ميشال عون.

حركة أمل في بداية حوار مع تيار المستقبل.

الرئيس بري في تلاقٍ شبه دائم مع النائب وليد جنبلاط.

إنطلاقاً من هذه المروحة في العلاقات، هناك تشابك مصالح بين كل الطوائف، وبالتالي لا يمكن لأحد التصرُّف من خلال سياسة إدارة الظهر لشركاء الوطن، بل من خلال إبقاء القنوات مفتوحة.

***

في مطلق الأحوال، تبقى هذه المعطيات في باب الرهانات والخيارات، ولا تتحوَّل إلى قرارات إلا بعد أن تنضج الظروف الإقليمية المطلوبة لها، فالجهوزية الداخلية متوافرة لكنَّها وحدها لا تكفي حيث أنَّ أحد الرهانات الإستراتيجية هو... الإنتظار.