حرف النون، هذا العنوان المرمَّز الذي اختصر به التنظيم الداعشي طائفة النصارى في الموصل العراقية كمثل ما اختصر هو دولته في العراق والشام بالأحرف المرمّزة باسم «داعش».

هذه التسميات المقدسة للأديان والمذاهب السماوية، نصغّرها ونرّمزها بالأحرف خجلاً أو خوفاً من أسمائها الكبيرة، فيصبح دين النصارى «حرف نون» ملصوقاً على أبواب الكنائس والمنازل وجدرانها، دلالة على الكفرة الملحدين والمشركين بالله والوثنيين الذين: إما أن يعتنقوا الإسلام، وإما أن يدفعوا الجزية منبوذين، أو أن يكون مصيرهم جزاءً على حدِّ السيف.

ولكن... من واجب هذا «الداعش» احتراماً للدولة الإسلامية أن يتقن أمراؤه المؤمنون قراءة القرآن ويؤمنوا بآياته، وإذا كانوا لا يقرأون فليسمعوا:

«لتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون (المائدة: 82).

ويحْدَبُ القرآن على النصارى في الآية (69) من سورة المائدة بالقول:

«إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون».

ولو أدرك الذين قرأوا لعلموا بأن المسيح في القرآن هو «قول الحق» أي كلمة الله وقد ولد من روح الله، «فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً» (سورة مريم: 17).

وأن القرآن يخصّ المسيح من دون سائر الأنبياء بتأكيد معجزة ولادته، وبالنفخ الإلهي وتأييده بالروح القدس والبينات التي هي معجزات وعجائب (البقرة: 87 - المائدة - 114).

ويؤيد القرآن المسيح بالرفع ويعزّ الذين اتبعوه «إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الذين كفروا، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة (آل عمران: 55).

ويحضّ القرآن أهل الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل فيه: «وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل فيه. ومن لم يحكم بما أنزل فيه فأولئك هم الفاسقون» (المائدة: 47). «قلْ يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم» (المائدة: 68).

ويخص الإسلام مريم العذراء بوصف إلهي وهي المرأة الوحيدة التي ذكر إسمها في القرآن «والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وإبنها آية للعالمين (الأنبياء: 91). وإذا شئت أن أذكر الآيات المماثلة مع شرحها وتفسيراتها والتي قد يغفلها الكثيرون عمداً لكان أمامنا بعض قرآن.

وللإستزاده في الفائدة نذكّر المؤمنين بأن النصرانية التي يتم اختصارها اليوم بحرف النون، هي التي بقيت قائمة في اليمن أيام الإسلام، وأنه كان ما يزيد على ألف ومئتين وخمسين أسقفاً في عدن والعراق وفي أنحاء أخرى من الجزيرة، ويقول آدم ميتز في كتابه «الحضارة الإسلامية».

«لم يكن في المدن الإسلامية والجزيرة العربية أحياء مختصة باليهود والنصارى بل آثر أهل كل دين أن يعيشوا متقاربين وكانت الأديرة المسيحية منتشرة في كل أجزاء بغداد».

كان ذلك يوم كان المسلمون يفقهون الآيات في حرية العبادات حتى الحرية في الكفر: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» (الكهف: 29).

«ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين (يونس: 99)». «لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن» (العنكبوت: 46).

هذا يعني أن الإسلام كان يعتبر الذين تحكمهم الدولة الإسلامية وحدة إنسانية بغض النظر عن الطائفة والجنس، ولا يوجد في الدولة الإسلامية مفهوم للأقليات بل أن جميع الناس هم رعايا يتمتعون بالحقوق التي قررها الشرع سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

ولقد أباح الإسلام لغير المسلمين ما أباحه لهم دينهم وحمى كرامتهم وصان حقوقهم وكان من حق أهل الكتاب أن يمارسوا شعائرهم الدينية فلا تهدم لهم كنيسة ولا يكسر لهم صليب، بحسب عهد النبي لأهل نجران، بل «كان الكتبة المسيحيون في الدولة الإسلامية يرسمون إشارة الصليب على الكتب والمعاملات الرسمية الى جانب أختام رؤسائهم المسلمين بحسب: كتاب الفروق للقرافي». 3 /14

وعندما بعث النبي رسولاً كانت المسيحية منتشرة في: العراق والشام والحجاز واليمن وفي قبائل: ربيعة وغسان وقضاعة، وفي مكة والطائف وبعض قريش.

ولهذا خاطب الدين الإسلامي الناس بقوله: قلْ يا أيها الناس اني رسول الله إليكم جميعاً (الإعراف: 158)، وخاطب النبي أهل الجزيرة: أتركوهم وما يدينون... ليس منّا من دعا الى عصبية... ومن اعتدى على كتابي كنت خصمه يوم القيامة».

بعد هذا الفصل التوثيقي حول أهل الكتاب، أسأل الإخوان في «داعش» ألّا يجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بالتي هي أحسن، لأنه مثلما أنّ تطرفاً ما هو الذي نمىّ الروح الداعشية، يخشى أن يؤدي التطرف الداعشي الى تطرف عكسي من أنصار «حرف النون» فيعاملوا المسلمين في الغرب كما يعامل الداعشيون المسيحيين في الشرق، ومن باب داعشي أولى إذا كان لا بدّ من جهاد، فإن بابه المشَّرع والمشروع هو في غزة وليس في الموصل، الذي انتهكت فيه الكنائس فيما كانت كنائس النصارى في غزة تحتضن الأخوة الفلسطينيين وتدرأ عنهم القصف، نعم في غزة حيث «يجد القرآن أشد الناس عدواة للذين آمنوا اليهود (المائدة: 82) وحيث يصف المسيح اليهود، بأنهم من أب هو إبليس (يوحنا: 8/44 /45).

يا أيها الذين آمنوا أتركوا الدولة الإسلامية دولة كبيرة ولا تصغّروها في عيوننا ترميزاً، واتركونا نؤمن بها كما أنشأها النبي، صدق الله العظيم.