ـ التكفير والدين والإسلام ـ

كلمة كافر لا تعني من خالفني في فكري أو خالفني في مذهبي أو طريقتي ولا يجوز أن أطلق عليه صفة الكفر، فالكفر حدده الله تعالى في سورة النساء بالشرك بالله فقط «إن الله لا يغفرأن يشرك به» هذا هو الكفر، ويغفر ما دون ذلك من ذنوب سواء أكان سرقة أم زنى أم تركاً للصلاة والصوم تساهلاً أم كسلاً أم ضياعاً فلا يقال له كافر، أما حينما ينكر ذلك ويقول إن الصلاة ليست من عند الله، وإن الصيام ليس من عند الله فهو ينكر هنا الله عز وجل فيسمى كافر.

اليوم خرجت كلمة الكفر من دائرتها الضيقة ووسعت حتى بتنا نرى أن ثلاثة أرباع العالم، يطلق عليه من بعض من يتحدثون عن الدين كلمة كفار، لذلك علينا أن نعيد النظر في كلمة كافر، فالمؤمن المسلم في نفس اللحظة التي يكون فيها مسلماً يجب أن يكون كافراً، فهو يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت، فلا بد أن تكون مؤمناً كافراً، مؤمن بالعدل كافر بالظلم، مؤمن بالله كافر بالشرك بغير الله، مؤمن بالعدل والمساواة وكافر بالاستعلاء على الخلق وجعل الخلق طبقات، مؤمن أن الناس متساوون أمام الله عز وجل «كلكم لآدم وآدم من تراب يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم». ويجب أن نعيد النظر في قضية الإيمان والكفر ولا نوسع مساحاتها كثيراً، وهذا الذي جعل النبي عليه الصلاة والسلام يقول لقومه الذين ضربوه بالحجارة وأخرجوه من الطائف «اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون»، لم يقل أللهم عليك بكفار الطائف، ثم قال قومي وليس كفاراً فنسبهم إلى نفسه، وهو يعرف أنهم كفار.

الذين يعلنون تكفير العالم بأجمعه هم لا يعرفون أنهم أول من دخلوا في مساحة الكفر، فمن كفر مسلماً فقد كفر، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، من هنا نجد أننا حين نعرف حدود الكفر، علينا أن لا نوسع مساحة التكفير بل نوسع مساحة الإيمان، كما كان في نداء الحق، «يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم» فتصوروا أن الخطاب، لمن شريعته غير شريعتي وليس دينه يختلف عن ديني، فالدين واحد كما قلنا سابقاً، فالذي جاء به ابراهيم ونوح وموسى وعيسى عليهم السلام ومحمد عليه الصلاة والسلام هو دين واحد من عند الله عز وجل، فكلهم يؤمنون بالله وبرسالة السماء، فقد اختلفت الشرائع، هناك شريعة ابراهيم وشريعة موسى وشريعة عيسى عليهم السلام، وشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، وكل الشرائع محورها سعادة الإنسان بالأكوان بعلاقته مع الديان ومع أخيه الإنسان، الاختلاف في المذهب من أمراض الأمم التي من قبلنا وتسللت إلينا، فالكل يعلم أن المسيح مسيح واحد، وأن الإنجيل إنجيل واحد، وفجأة بدأت المسيحية تتمزق بين مسيحية أرثوذوكسية وكاثوليكية وبروتستانتية، وصار الإنجيل أناجيل ووصل المسيحيون إلى تكفير بعضهم البعض، بل يتقاتلون في ما بينهم، وقامت الحروب بين الكاثوليك والأرثوذوكس على أرضنا أيام حروب الفرنجة، هذا الفكر التكفيري تسلل إلى المسلمين، فإذ بهم يجعلون من المذاهب أدياناً وشرائع، ومن الطوائف أدياناً ومذاهب، وكل واحد حزب فرح بما عنده يكفر الآخرين، والسبب أنه لم يكفر بالله رب العالمين ولا محمد رسول العالمين ولا القرآن كتاب العالمين، إنما كفر بالحزب والطرف الآخر، فإذا بهم يتقاذفون كلمة الكفر حتى وصلت مرحلة التكفير أنه إذا لم ينتخب واحد من حزبهم بات كافراً، على رغم أن من لم ينتخب عمراً لم يكن كافراً، فسعد بن عبادة رضي الله عنه الصحابي الأنصاري الخزرجي الجليل، لم يبايع أبا بكر ولا عمراً ومع ذلك لم ينسب له التكفير.

الكفر لا يرتبط ببيعة إمام ويخطئ الذين يقولون إن من مات وليس في رقبته بيعة فقد مات ميتة جاهلية فيكفرونه لأنه لم يبايع خليفتهم، فالبيعة في الأصل بيعة الله ورسوله، فيمكن أن لا أبايع أبا بكر وعمراً وعثمان وعلياً رضي الله عنهم والأمويين والعباسيين وأبقى مؤمناً بالله عز وجل، فلا يحق لأحد أن يكفر مسلماً بأي صورة من الاختلافات المذهبية والطائفية والسياسية، مادام يقول «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منبهاً الذين يكفرون الناس ويجعلون أنفسهم آلهة تكفر الناس، حين قال لأبي ذر رضي الله عنه: «يا أبا ذر من قال لا إله إلا الله فقد دخل الجنة»، فقال: «يا رسول الله وإن زنى وإن سرق» رددها ثلاث مرات قال: «نعم وإن زنى وسرق رغم أنف أبي ذر»، وحين يقول الله في سورة النساء «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك». وهنا أسأل من يكفر الناس كيف تقتلون إنساناً يقول أمامكم «لا إله إلا الله»؟