لم تكن عائلة المواطن إبراهيم حمدان تتوقع أن تعيش في كنيسة بدلاً من منزلها الذي كانت تستيقظ فيه على رائحة الورود والأزهار المزروعة في حديقته الأمامية، قبل أن يتحوّل إلى مجرّد ركام فرض على أفراد العائلة الثلاثة عشر الهروب من نيران القصف والمدافع التي انهالت على حي الشجاعية وأوقعت مجزرة وصفها الناجون منها بـ "صبرا وشاتيلا 2" وراح ضحيتها 72 فلسطينياً وأصيب المئات.

وفتحت كنيسة القديس بروفوريوس للروم الأرثوذوكس وسط مدينة غزة، أبوابها أمام مئات العائلات الفلسطينية التي تعتنق الاسلام، وفرّت من مجزرة الشجاعية بعد أن دمّرت صواريخ الاحتلال الاسرائيلي منازلها وأصبح الكثير منها بلا مأوى.

لا فرق بالمطلق..

وفي ساحة الكنيسة التي تًعد ثالث اقدم كنيسة في فلسطين بعد كنيسة المهد في بيت لحم والقيامة وتقع في أحد أقدم الأحياء الشعبية في غزة، تجلس الزوجة ابتسام مع أبنائها، وبجانبها مئات العائلات التي فرّت من نيران القصف والمدافع في مشهد يؤكد حالة التلاحم والترابط بين المسلمين والمسيحيين الذين يعيشون في الحزن والفرح والمعاناة سواء.

وتقول لـ"النشرة": "صحيح أننا أصبحنا مشرّدين ونازحين، لكننا بين أبناء شعبنا الذين احتضنوا في هذه الكنيسة، لا نشعر بفرق بالمطلق، فنحن نعيش معاناة واحدة وحرب لم تفرق بين مسلم ومسيحي".

وبدأت دموع الأم المكلومة تسيل وهي تحتضن طفلتها وتتحدث عن تفاصيل خروجها من منزلها لحظة القصف إذ تقول: "انهالت علينا الصواريخ من كل مكان، ونجونا بأعجوبة، تركت منزلي عبارة عن ركام، تركت ذكرياتنا، وصور أطفالي صور الطفولة ورائحة البيت والأشجار في الحديقة التي كنا نجلس فيها كل صباح، بل تركت حياتنا!"

لكنها تبدو مصرة كما غيرها من العائلات التي نزحت إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" على الصمود والصبر رغم ما تعرضوا له من جرائم وعدوان، وتقول: "صحيح أنّ حياتنا ومعاناتنا الآن لا توصف، لكننا صامدون وهنا في الكنيسة نشعر وكأننا في بيتنا إذ يوفرون لنا كل شيء".

هذا بيتهم..

راعي كنيسة الروم الأرثوذكس في غزة المطران اليكسوس، الذي أخذ يتفقد أحوال العائلات التي احتضنتها الكنيسة والبالغ عددها ما يزيد عن 80 عائلة وهو يتنقل بينها ويتحدث مع الأطفال والرجال والنساء، قال لـ"النشرة" "هذا بيتهم ونحن أهلهم، الحرب لا تفرق بيننا، فنحن نعيش نفس الحال ونفس الظروف حتى قبل الحرب، ظروفنا الاقتصادية صعبة والحصار أثر على كافة مناحي حياتنا".

وتابع: "في حرب 2012 فتحنا أبواب الكنيسة لعدد من العائلات أيضاً، نحن شعب واحد وهؤلاء أبناء شعبنا، وعلينا تقديم كل ما بوسعنا من أجلهم".

ورغم كل ذلك، إلا أن الكنيسة تعرضت قبل أيام إلى قصف مدفعي من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي، تسبب في أضرار بالممتلكات داخلها.

يجمعنا مصير مشترك..

ويقول مدير العلاقات العامة في كنيسة بروفيريوس للروم الأرثوذوكس، كامل عيّاد، "نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ومن واجبنا أن نحتضن الناس في الظروف الصعبة التي نعيشها سواء".

وفي حديث مع "النشرة"، يوضح عيّاد، أن الكنيسة تقدم لهم وجبات الطعام والماء خصوصاً وأنهم صائمون في شهر رمضان، إضافة إلى بعض المؤسسات التي هي الأخرى تقدم وجبات إفطار وسحور"

ويضيف: "هم ليسوا متروكين ونعمل كل ما بوسعنا لأجلهم، نحن نتألم سوياً ونفرح سوياً".

لكنّ المشهد الأكثر تأثيراً ودلالة على أن المسلمين والمسيحيين لا فرق بينهم ويجمعهم مصير مشترك، على أساس علاقة يميزها الود والاحترام برغم اختلاف الديانات، هو وجود مسجد "كاتب ولاية" الملاصق للكنيسة الذي أخذ القائمون عليه تقديم مختلف الخدمات ووجبات الإفطار لهذه العائلات، "فما يجمعنا لا يفرقنا رغم اختلاف الديانات". حتى أن المسلمين أحيوا "ليلة القدر"، التي هي إحدى ليالي شهر رمضان وأعظمها قدراً، داخل الكنيسة بعد أن دمر الاحتلال عدداً من المساجد.

للاطلاع على مزيد من صور العائلات في الكنيسة اضغطهنا